نضرة النعيم في سيرة سيد المرسلين ( 1 )


الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام وأرسل الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل . أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وأفعاله وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي هدى الله به الأمة من الضلال وأرشدهم به من الغواية وأخرجهم به من الظلمات إلى النور.

أما بعد

لقد اعتاد السفهاء الذين لا دين لهم ولا خلاق من الكافرين والمجرمين التطاول على جناب سيدهم وسيد الأولين والآخرين، محمد 0 وهذا سببه إما الحقد والكره الدفين، أو عدم معرفة منزلة النبي الكريم 0 عند رب العالمين ، أو إما لجهل المسلمين أنفسهم في كيفية الدعوة إلي الله وتعريف العالم بهذا الدين العظيم، وبسيرة سيد المرسلين وإمام المتقين،وعجزهم عن الدفاع عن جناب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن العجب أننا لم نحسن حتى في كيفية الرفض لهذا الضلال المبين، بل ذهبنا لتغيير المنكر بمنكر مثله أوأشد منه ، بالحرق والقتل والتدمير، وهذا ما لم يأمر به سيد المرسلين وحبيب رب العالمين، ومن أجل هذا شرعت في تقديم هذه السلسلة الجامعة الشاملة عن حياة خير البرية، ليتعرف العالم من مشرقه إلى مغربه، من هو هذا النبي 0 بأبي هو وأمي ،الذي ندافع عنه بأرواحنا وأولادنا وأزواجنا وأموالنا، بل بكل ما نملك، وأنه أرسل رحمة للعالمين.

نسب النبي صلى الله عليه وسلم:

اتفق أهل السير والأخبار على ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان ، وأما ما بعد عدنان إلى إبراهيم عليه السلام فقد اختلف أهل السير في صحته، فمنهم من قال به، ومنهم من توقف فيه، قال ابن القيم رحمه الله: "إلى هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ولا خلاف فيه البتة وما فوق عدنان مختلف فيه ولا خلاف بينهم أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام"

النسب الزكي:

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ واسمه شَيْبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قُصَىّ ـ واسمه زيد ـ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النَّضْر ـ واسمه قيس ـ بن كِنَانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عدنان‏.‏
وعدنان هو ابن أُدَد بن الهَمَيْسَع بن سلامان بن عَوْص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حَمْدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد ابن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن إسماعيل بن إيراهيم عليهما السلام‏.‏
ما فوق إبراهيم عليه السلام وهو ابن تارَح ـ واسمه آزر ـ بن ناحور بن ساروع ـ أو ساروغ ـ بن رَاعُو بن فَالَخ بن عابر بن شَالَخ بن أرْفَخْشَد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن مَتوشَلخَ بن أَخْنُوخ ـ يقال ‏:‏ هو إدريس النبي عليه السلام ـ بن يَرْد بن مَهْلائيل بن قينان بن أنُوش بن شِيث بن آدم ـ عليهما السلام‏.‏

الأحاديث الواردة :

ورد في شرف نسبه صلى الله عليه وسلم أحاديث صحاح منها ،أن النبي 0 قال: ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم )رواه مسلم

فمعدن النبي 0 طيب ونفيس، فهو من نسل إسماعيل الذبيح ، و إبراهيم خليل الله، وهو بشارة أخيه عيسى عليه السلام، ودعوة أبينا إبراهيم عليه السلام، يقول عنه نفسه صلى الله عليه وسلم: ( إني عبد الله وخاتم النبيين، وأبي منجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ، ورؤيا أمي آمنة التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين، وأن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته له نورا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا * و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منير } رواه الحاكم وصححه الذهبي

صفته صلى الله عليه وسلم:

حبى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بصفاتٍ جليلة وعظيمة منها، صفاتٍ خَلْقية ظهرت على بدنه الشريف وجوارحه الطاهرة، وصفاتٍ خُلُقية ظهرت على سلوكه القويم،

الصفات الخَلقية:

كان 0 متوسط القامة ليس بالنحيف ولا الجسيم، عريض الصدر،ضخم اليدين والقدمين مبسوط الكفين لينهما، قليل لحم العقبين، يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة وهو شعر مجتمع كالزر. وهو أحسن الناس وجهاً أبيض اللون بياضاً مزهراً، مستدير الوجه مليحه، واسع الفم، طويل شق العينين، رجل الشعرن ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير. وإضافة إلى حسن خلقته وسلامة حواسه وأعضائه فقد اعتنى بمظهره من النظافة وحسن الهيئة والتطيب بالطيب.

الأحاديث الواردة :

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ( كان النبي 0 مربوعاً- متوسط القامة-، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه، رأيته في حلةٍ حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه ) متفق عليه.

و عن أَنَسٍ رضي الله عنه قال : (كان النبي 0 وسلم ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لم أرَ بعده مثله، وكان شَعْرُ النبي 0 رَجِلاً لا جَعْدَ - أي لا التواء فيه ولا تقبض- وَلا سَبِطَ - أي ولامسترسل) رواه البخاري

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( وكان كثير شعر اللحية ) رواه مسلم .

و جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال: ( كان رسول الله 0 ضَلِيعَ - واسع - الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنِ - حمرة في بياض العينين - مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْن- قليل لحم العقب) رواه مسلم .

وعن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال: ( فلما سلّمت على رسول الله 0وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله 0إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه ) رواه البخاري

وعن أنس رضي الله عنه قال :( كان رسول الله 0 أزهر اللون- أبيض مستدير- ، كأنَّ عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مَسَسْتُ ديباجة - نوع نفيس من الحرير- ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله 0) رواه مسلم .

وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال:َ ( دخل علينا النبي 0فقال أي نام نومة القيلولة- عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت تجمع العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب ) رواه مسلم .

الصفات الخلُقية:

أما الصفات الخلُقية فتحتاج منا مجلدات، ويكفي شرفاً بالنبي 0وبنا أتباعه أن الذي خلقه وخلقنا وصفه وقال فيه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم: 4 وقد فسر المفسرون الخلق بالدين وآداب القرآن ، وأكدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها على أن خلقه القرآن فقالت: "كان خلقه القرآن"، والآيات كثيرة على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، والخلق الكريم، قال تعالى: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة: 128. وكان خلقه مع غير المؤمنين كما قال رب العالمين { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )الأعراف: 199. نعم فهو سيد المتخلقين وإمام المتأدبين ومعلم البشرية أجمعين في الخلق العظيم والمنهج القويم. فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان 0 سهلا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم.

الأحاديث الواردة :

عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ . قَالَ : اتَيْتُ عَائِشَةَ . فَقُلْتُ : يَا أم الْمُؤْمِنِينَ اخْبِرِينِي بخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ 0. قَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْانَ امَا تَقْرَاُ الْقُرْانَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) . قُلْتُ : فَإِنِّي اُرِيدُ أَنْ اتَبَتَّلَ . قَالَتْ : لا تَفْعَلْ امَا تَقْرَاُ : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وُلِدَ لَهُ) رواه النسائي وأحمد.

عن النبي 0: ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة؛ وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار؛ وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) متفق عليه

وعنه 0: ((والكلمة الطيبة صدقة)) متفق عليه.

وعنه 0: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) متفق عليه.

وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ ، فَقَالَتْ:هَلْ تَقْرَاُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَتْ : فَإِنَّهَا اخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ ، فَمَا وَجَدْْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلالٍ فَاسْتَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَام فَحَرًمُوهُ ، وَسَالْتُهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : الْقُرْانُ) رواه النسائي وأحمد.

وعنه 0 قال: ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة؛ وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار؛ وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) متفق عليه

وعَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عَاثِشَةَ، فَقُلْنَا : يَا أم الْمُؤْمِنِينَ ، مَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَتْ : كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْانَ تَقْرَؤُنَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَتِ : إِقْرَاْ : ( قَدْ افْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ يَزِيدُ : فَقَرَاْتُ : قَدْ افْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - إِلَى : لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . قَالَتْ : كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)رواه البخاري في الأدب المفرد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله 0: ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) رواه مسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله 0: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) متفق عليه.

فهذه هي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه لقومه وللناس أجمعين فهل بعد ذلك يأتي كافر جاحد ويقدح في جناب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم

وللحديث بقية في السلسلة

الزكية من سيرة خير البرية

صلى الله عليه وسلم



كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 02/10/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com