هلاك شيطان القرن


الخبر: توفي رئيس الوزراء الأثيوبي "مليس زيناوي" بصورة مفاجئة ليلة الاثنين بإحدى مشافي بلجيكا بعد إصابته بعدوى مفاجئة قضت عليه في ساعات قليلة.

التعليق

من حكمة الله البالغة أنه سبحانه وتعالى قد أقام نظام الكون على السنن الجارية وليس السنن الخارقة، حتى يعمل الناس ويجتهدوا ويأخذوا بالأسباب ويبذلوا ما في وسعهم لإقامة مجتمعاتهم ودولهم، وجعل السنن الخارقة للتدليل على مصداقية المرسلين وصحة الرسالات، فوسَّع سبحانه مجال عمل السنن الجارية وضيَّق مجال السنن الخارقة حتى لا يعتاد الناس عليها ويلجئون إليها عند كل نازلة ويعتمدوا على أمدادها لتحقيق مأربهم وبالتالي يركنون إليها ويتركون العمل والجهاد واستفراغ الوسع. ثم إن حكمته جل وعلا أيضًا أنه إذا رأى أن الناس قد فعلوا كل ما في وسعهم وبذلوا جهدهم الوافر وانقطعت أسبابهم إلا إلى الله عز وجل أجرى عندها السنن الخارقة كرامة منه لعباده الصالحين العاملين. ومن هذا المنطلق أعمل الله عز وجل في شيطان القرن الإفريقي وألد أعداء الإسلام والمسلمين مليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا وأخذه أخذ عزيز مقتدر، كما أعملها من قبل في شيطان مصر عمر سليمان بعد أن لوَّح المخلوع طنطاوي باستدعائه لتهديد التيار الإسلامي في مصر.

مليس زيناوي مثال وتجسيد حي للعداوة التاريخية المتجذرة من نصارى الأحباش إلى الإسلام والمسلمين، فهو حامل لواء العداوة ووارث تركة الحقد والحسد من لدن قساوسة ورهبان النجاشي الذين نخروا عندما أقر النجاشي بصحة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لوقتنا الحاضر، زيناوي المتدثر بوشاح أباطرة الكفر في الحبشة مثل الإمبراطور هيلاسيلاسي والملكة أليني والملك ميلينك الثاني وغيرهم من ملوك وزعماء الحبشة الذين برزوا في حرب الإسلام والمسلمين، زيناوي التجسيد المعاصر لهذه الشخصيات الكريهة والذي حمل بين جنبيه عقيدة الكراهية وآمن لأيدلوجية العداء لكل ما هو مسلم، ومن هذه الفكرة وضع يديه النجسة في يد كل أعداء الإسلام والمسلمين.

ولد زيناوي عام 1954 في إقليم تجره بشمال أثيوبيا، ودرس الطب في جامعة أديس أبابا وكانت تعرف وقتها باسم جامعة هيلاسلاسي لمدة سنتين، ثم ترك دراسة الطب عام 1975، وانضم إلى جبهة تحرير شعب تجره، وعندما كان عضوًا في الجبهة، ثم أسس الاتحاد الماركسي - اللنيني لإقليم تجره بالاشتراك مع الطاغية منجسو وآخرون، ولما انقلب عليهم منجستو واستبد بالحكم تحالف زيناوي مع عدة جبهات معارضة ضده ومنهم أسايس أفورقي الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لأريتريا وهو لا يقل عداوة للإسلام والمسلمين عن زيناوي، وفي سنة 1991 نجح الرجلان زيناوي وأفورقي في الاستيلاء على الحكم في إثيوبيا وأريتريا، ليصبح وضع المسلمين في القرن الأفريقي متأزمًا، خاصة وأن الأوضاع الصومالية قد تأزمت بشدة بعد الإطاحة بالطاغية زياد بري واستمر زيناوي في منصبه حتى عام 1995، ثم تولى رئاسة الوزراء منذ ذلك الحين بعد أن أجرى إصلاحات سياسية وتعديلات غيرت نظام الحكم في البلاد من رئاسي إلى برلماني، بهدف عدم صناعة ديكتاتور جديد على غرار منجستو، غير أن زيناوي كان على شاكلة من قبله طاغية يعشق الاستبداد، فأحكم قبضته على إثيوبيا، واستمر على رأس النظام السياسي أكثر من 20 عامًا، بعد أن وضع مادة في الدستور تنص على تحصين منصب رئيس الوزراء من الإقالة، فأتته الإقالة من حيث لا يدري، جاءته من رب الأرض والسماء.

زيناوي قرر منذ سنة 1998 وبعد حربه العنيفة مع أريتريا أن يربط نفسه وبلاده مباشرة بالحلف العالمي لمحاربة الإسلام والمسلمين، وأن يشكل ضلع المثلث مع الأمريكان والصهاينة، بعد أن ذاق مرارة الحرب مع دويلة صغيرة مثل أريتريا استطاعت خلالها أريتريا أن تخرج منتصرة سياسيًّا وعسكريًّا ومعنويًّا بفضل الدعم الصهيوني والأمريكي الكبير، فقرر زيناوي من وقتها لعب دور الشرطي الأمريكي والحارس الصهيوني للقرن الأفريقي، ففتح بلاده على مصراعيها للصهاينة فتولوا ملف الزراعة والري في بلاده وحققوا فيه طفرة كبيرة، وفي المقابل تطورت عمليات نقل يهود الفلاشا إلى الكيان الصهيوني لخلخة التركيبة السكانية في الكيان الصهيوني، ووسع الموساد عملياته الاستخباراتية في الغرب الأفريقي، وأصبحت المنافذ البحرية في القرن الأفريقي تحت السيطرة الصهيونية، كما غدت إثيوبيا في عهد زيناوي كالممر الأمني والاستراتيجي لتل أبيب، ووكر للدس والتآمر ضد الجيران المسلمين "الصومال والسودان ومصر" وطالت جرائم زيناوي هذه الدول كلها.

فقد هاجمت القوات الإثيوبية الأراضي الصومالية عدة مرات لمحاربة جماعة الشباب المجاهدين وإقامة حكومة موالية لإثيوبيا والغرب، وتسبب العدوان الإثيوبي على الصومال في وقوع خسائر مهولة في الأرواح والممتلكات وتفاقمت المشكلة الصومالية وتراجع الصومال للعصر الحجري وانهارت جميع مرافق البلاد ودخلت في مجاعات ونكبات متتالية بسبب هذا العدوان الصليبي لزيناوي ومن يقف وراءه ومعه من خونة الصوماليين.

كما ساهم زيناوي بقوة في انفصال الجنوب السوداني عن شماله، وضخ مساعدات واستثمارات مالية وفنية في جوبا عاصمة الجنوب بالمليارات لدعم الانفصال وتكوين حلف صليبي مع الجنوب يطوق به الصومال ويحاصر به الشمال المسلم في السودان، وأفشل المساعي المصرية والعربية لإقامة كونفيدرالية بين شمال السودان وجنوبه، ليستفرد وحده بالجنوب ويشكل حلفه الصليبي.

أما في مجال عداوته وحربه لمصر، فزيناوي ومنذ اتهام الرئيس المصري المخلوع مبارك له بتدبير محاولة اغتياله سنة 1994 في أديس بابا وهو يعاني من عقدة شديدة تجاه مصر والمصريين، وكانت آخر تجليات العداوة الزيناوية لمصر والمصريين إقناعه لدول مصب نهر النيل بتوقيع اتفاقيات جديدة لتوزيع حصص مياه النيل مما أفقد مصر والسودان دولتي المصب نسبة كبيرة من حصصها التاريخية، ثم قام بالتعاون مع الكيان الصهيوني في بناء عدة سدود ضخمة على نهر النيل ستحجم كثيرًا من تدفق مياه نهر النيل لدول المصب،كما دأب على إطلاق التصريحات النارية ضد القيادة المصرية واتهامها بالتحضير لحرب إثيوبيا، ولم تهدأ وتيرة التصعيد الإثيوبي ضد مصر إلا بعد قيام الثورة المصرية بالإطاحة بمبارك ونظامه، ومحاولة الرئيس الجديد محمد مرسي رأب الصدع مع أفريقيا عمومًا وإثيوبيا خصوصًا، بزيارة تاريخية لأديس بابا لحضور مؤتمر القمة الأفريقي والذي لم بحضره زيناوي للمرض.

وظل زيناوي على عداوته وحقده للمسلمين حتى وهو على فراش الموت، ففي أثناء فترة علاجه من مرض موته أصدر قرارًا باعتقال كافة المسئولين المسلمين في الحكومة الإثيوبية ومنعهم من ممارسة أعمالهم لحين التحقيق معهم بخصوص تأييدهم لمطالب المسلمين الإثيوبيين، وهدد بطرد كافة الموظفين المسلمين من أعمالهم الحكومية، ولكن الله عز وجل عاجله وباغته من حيث لا يحتسب وبداء قيل عنه مجهول، ولكنه ليس بمجهول عند من أرسله عليه عذابًا ونكالاً منه عز وجل.

والمطلوب في هذه المرحلة استغلال غياب هذه الشخصية الخبيثة وخلو الساحة الإثيوبية الآن ممن هو على شاكلته، فزيناوي كان آخر أباطرة الكفر والحقد الحبشي ضد الإسلام والمسلمين وبرحيله سوف تحل كثير من الملفات العالقة والأمور الشائكة وخاصة ملف مياه النيل، والمطلوب التحرك سريعًا قبل أن ينجح الصهاينة والأمريكان في اصطناع طاغية جديد، والمطلوب مد جسور الثقة مع الإثيوبيين وفتح استثمارات كبيرة في بلادهم واستغلال حاجاتهم الاقتصادية والفنية والمهنية وسد فراغات الصهاينة والأمريكان، خاصة في الجانب الاجتماعي والإنساني، فغياب هذا الشيطان فرصة تاريخية لا تعوض لابد من استغلالها والبناء عليها قبل ضياعها كما هو معتاد من الحكومات السابقة.



كاتب المقالة : شريف عبد العزيز
تاريخ النشر : 21/09/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com