من ثمار الصيام في رمضان ( 1 )


الحمد لله رب العالمين وليَّ، منحهم محبته (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، وكتب لهم فسيح رحمته (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)، وهو تعالى معهم بفضله وتوفيقه وعلمه (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فهو سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة. والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعـــــــد

ثمرة الصيام في رمضان:

فالتقوى هي ثمرة الصيام، ابتدأ الله تعالى بها آيات الصيام، واختتمها بها، فقال عز من قائل سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة:183 ، وفي ختام الأحكام من نفس السورة قال عز وجل: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) البقرة: 187.

والقرآن الكريم كله هدى للمتقين ففي أول أكبر سورة منه يقول تعالى: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) البقرة: 1،2. فتعالوا سوياً نتحدث وندخل بستان التقوى لنتعرف عليه لعل الله يرزقنا إياه.

معنى التقوى:

التقوى لغة: توقّى واتّقى بمعنى (واحد). وقد توقّيت واتّقيت الشي‏ء وتقيته وأتقيه وتقاء: حذّرته...فهي مأخوذة من الوقاية وما يحمي به الإنسان رأسه والاسم التقوى وتعني الحذر والخوف من اللَّه.

التقوى اصطلاحاً: أن تجعل بينك وبين ما حرّم الله حاجباً وحاجزاً. والتحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه، وذلك بطاعته واتباع أوامره، واجتناب نواهيه.

من صفات المتقين:

في القرآن الكريم بيان لأوصافهم، ومن ذلك:

هم أصحاب العقيدة الصحية، والعبادة الموافقة للشريعةن ينفقون أموالهم في وجوه الخير، يوفون بعهودهم، يصبرون في البأساء والضراء وحين البأسن إنهم الضادقون المتقون قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة: 177

إنهم الذين يسارعون إلى مغفرة ربهم ورحمته، فينفقو أموالهم في السراء والضراء، ويكظمون غيظهم، ويعفون عن الناس، وإذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم تذكروا ربهم فأستغفروا لذنوبهم، ولمي يصروا على فعلهم. قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ‏) آل عمران: 133-135

إنهم الذين يخافون الله فلا يفعلون الفواحش، حيث تمنعهم تقواهم من ذلك، واستمع إلى السيدة مريم عليها السلام وهي تسعيذ بالرحمن ممن دخل عليها، وتسترحم فيه تقواه : (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) مريم: 18

إنهم على الإجمال أولياء الله تعالى، إيماناً وتقوىن فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون

قال تعالى: (‏أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس: 62 – 63

هم الذين يتعاونون على أعمال البر، ويتركون الإثم، ولا يعتدون. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ) المائدة: 2

هم الذين يستجيبون لتوجيهات أسوتهم وقدوتهم بأبي هو وأمي النبي المكرم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:

أ‌- (أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم

ب-(اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) متفق عليه

ج‌- (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) رواه مسلم

د- (إتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وأحمد

ثمار التقوى في الدنيا:

إن التقوى في الدنيا لها ثمار عظيمة وجليلة، منها:

حفظ من الله تعالى لذرية الأتقياء، بعد انتقالهم إلى رحمة الله عز وجل.

قال تعالى:(وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً) النساء: 9

تفتح البركات من السماوات، وسبب في وجود الخيرات في الأرض.

قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف: 96

إن الله عز وجل يعلمهم ما جهلوه. قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة: 282

يتقبل الله تعالى منهم قرباتهم وسائر أعمالهم. قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة: 27

5ـ تفريج الهموم، وتنفيش الكروب، وتيسير الأمور، ورزق من حيث لا يحتسب

قال تعالى: (ومَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق:2،3

يجعل الله لهم قلباً طاهراً يفرق بين الحق والباطل، ويكفر بفضله عن سيئاتهم، ويغفر لهم زلاتهم، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ الأنفال: 29

ثمار التقوى في الآخرة:

الآخرة تكون للمتقين قال تعالى: (وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) الزخرف:35 وأنعم بها من دار قال تعالى: (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ،جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) النحل:30-31

والناس في الآخرة أعداء بعد أن كانوا اصدقاء، إلا الأتقياء، قال تعالى: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف:67

ما أعده الله تعالى لهم من الآخرة خير من شهوات الدنيا ومتاعها، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران:14-15.

دخول الجنة، والنجاة من النار، قال تعالى: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) مريم:63 . وقال تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) الزمر:73. وقال تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا. وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) مريم:71-72

إنهم الفائزون في الآخرة بسبب طاعتهم لله والرسول صلى الله عليه وسلم وخشيتهم لله تعالى، وتقواهم إياه. قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)
النور:52
وللحديث بقية


كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 08/08/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com