تونس: الخوف يغزو قلوب التونسيين..ويُهدد بشلّ الاقتصاد


ارتفعت وتيرة الخوف لدى التونسيين في اليومين الاخيرين بسبب ما جد من أحداث وأيضا بسبب قرار حظر التجول ليلا وبسبب الدعوات من حين لآخر للتظاهر..يأتي هذا في وقت اعتقد فيه كثيرون أننا تجاوزنا مرحلة الخطر.
«صيف السنا ..الله يعدّيه على خير» ..بهذه الكلمات، يلخص أغلب التونسيين ما يدور داخل النفوس من هواجس ومخاوف، ارتفعت وتيرتها في اليومين الاخيرين في ظل ما جد من أحداث خطيرة وأيضا في ظل قرار حظر التجول ليلا .

في مثل هذه الفترة من العام الماضي، لم تكد تمض على الثورة وعلى الأحداث التي تبعتها سوى بضعة أشهر، وكانت الاجواء آنذاك «ساخنة» على كل الواجهات . لكن رغم ذلك، كان الجميع مقبلا على فصل الصيف بكل تفاؤل، واختفت من النفوس الهواجس والمخاوف، في ظل شعور جماعي بأن الثورة وحّدت الجميع و جعلتهم يتوقون إلى مصير مشترك ، حتى وان اختلفوا في الآراء والتوجهات السياسية، ومرّ الصيف بالفعل هادئا وعاشه التونسيون بنسق عادي إلى حين حلول موعد الانتخابات نهاية أكتوبر.

أما اليوم، ورغم مرور أكثر من عام ونصف على الثورة، فان «حدة الشعور بالخوف ما انفكت ترتفع داخل النفوس» على حد قول خبير نفسي موضحا أن هذا الخوف مختلط بين خوف سياسي وآخر امني وخوف ثالث له صبغة الاجتماعي ..فأينما ولى التونسي وجهه يجد نفسه محاطا بالمخاوف والهواجس والظنون.

جمعة الخوف

يوم أمس بدت منذ الصباح مسحة من الخوف على وجوه المواطنين في الشارع وفي مواقع العمل بعد ما تردد عن امكانية انتظام مسيرة ووقفات احتجاجية دعت إليها تيارات اسلامية. وبلغ الأمر بكثيرين خاصة في العاصمة حد الامتناع عن الخروج من المنازل و التنقل لقضاء بعض الشؤون وهو ما عطل المصالح وأربك نسبيا الحركية العادية وكان له انعكاس واضح داخل وسائل النقل العمومي وفي الاماكن التي تعودنا رؤيتها مكتظة . و رغم تأكيد وزارة الداخلية أنها لن تسمح بأية مسيرة ، إلا أن الحقيقة كانت غامضة لدى المواطن لانه أصبح يشك في كل شيء بعد أن عانى من ويلات الانفلات الامني ومن مظاهر العنف والحرق والتخريب في اليومين الماضيين .

هذه الشكوك وهذا الغموض في حقيقة ما يجري على الساحة السياسية الرسمية أصبح يُوَلّد آليا المخاوف في قلوب الناس و يولد ذلك بدوره انكماشا على صعيد الحركية الاقتصادية بما يهدد بشل الاقتصاد برمته . وفي رأي كثيرين فانه من الصعب أن يتخلص المواطن اليوم من هذه المخاوف ما دامت الأمور غامضة بالنسبة إليه و ما دامت الحكومة لم تحسم بشكل واضح وباتّ مع مسألة العنف والدعوات العشوائية للتظاهر.

هواجس سياسية

على الصعيد السياسي، ورغم مرور أكثر من نصف عام على «سعادة» التونسيين بإقامة حكومة شرعية ومجلس تأسيسي عبر انتخابات ديمقراطية، إلا ان كثيرين ما زالت تتملكهم مخاوف من امكانية فشل القيادة الحالية في السير بالبلاد نحو بر الأمان السياسي . ومرد هذه المخاوف وفق ما يذكره المواطنون هو ما يشوب تصرفات الحكومة بين الحين والآخر من ضعف في التعامل مع التجاذبات السياسية التي طغت عليها التصرفات والأفكار المتطرفة. ويستدل كثيرون في هذا المجال بكيفية معالجة الحكومة للظاهرة السلفية، لا سيما بعد ما ارتكبه مؤخرا بعض المحسوبين على هذا التيار من اعمال عنف وحرق وشغب. وهو ما ولد لدى الاغلبية الساحقة من التونسيين تخوفات من الانتقال من منطق الثورة - التي وحدت الجميع - إلى منطق الفتنة والتناحر الأهلي، الذي قد يفرقع المجتمع والمصالح الحيوية للبلاد برمتها، وقد يُفشل مسار الانتقال الديمقراطي.

خوف أمني

إضافة إلى الخوف من الفشل السياسي ، يبدو الخوف ذي الصبغة الأمنية أشد وطأة على التونسيين . ففي الوقت الذي بدأت فيه الاغلبية تسترجع شيئا من الثقة في الوضع الامني وتتحسس شيئا فشيئا الاستقرار في الشارع، عادت في المدة الاخيرة المخاوف، وعاد معها العزوف عن الخروج ليلا وعن التوجه نحو اماكن الترفيه العائلي وعن التنقل بالسيارات بين المدن خاصة مع اعلان حظر التجوال ليلا. وما سيزيد في الانعكاسات السلبية لهذا الوضع على الحياة العامة للناس، حسب ما ذكره متحدثون لـ«الشروق»، هو تزامنه مع حلول موسم الصيف، الذي تعود فيه التونسيون على أجواء استثنائية مثل الاصطياف على الشواطئ و مواكبة الحفلات والأفراح العامة والخاصة و السهر إلى ساعات متأخرة .وتزداد مخاوف الناس عندما يرون مراكز أمن تحرق ومقرات سيادية تخرب وتنتهك ورجال البوليس يتعرضون للعنف، دون أن تتمكن السلطات الأمنية من السيطرة على الوضع، فماذا عن الممتلكات الخاصة وعن الاشخاص العاديين.
كما أن المخاوف تزداد ايضا بسبب هذه الدعوات المتتالية للتظاهر وللاحتجاج الصادرة عن أطراف كان من المفروض ان تهدأ الاوضاع لا ان تُلهبها.

قلق اجتماعي

تنضاف إلى المخاوف السياسية والامنية في نفوس التونسيين اليوم مخاوف من نوع آخر تهم الاستقرار الاجتماعي. فبعد الثورة مباشرة كان هناك اعتقاد راسخ لدى الجميع أن الاوضاع الاجتماعية المتردية (الفقر ـ البطالة ـ التفاوت الاجتماعي ـ مستوى المعيشة) ستترك مكانها بلا رجعة لرغد العيش و لتنامي مواطن الشغل وللعدالة الاجتماعية. وتعزز هذا الشعور اكثر فاكثر بعد انتخابات أكتوبر وبعد تولي الحكومة الحالية قيادة البلاد وما رافق ذلك من وعود.

لكن مع تقدم الايام، تراكمت داخل النفوس المخاوف من مزيد تردي الاوضاع الاجتماعية وبلغت اليوم حدها الأقصى خاصة في ظل الاتهامات الموجهة للحكومة بـ«الضعف» في معالجة مشاكل البطالة وغلاء المعيشة و تفاوت التنمية في الجهات.

وما يلاحظ أيضا هو ان هذا القلق ذي الصبغة الاجتماعية لا يقتصر فقط على الطبقة الفقيرة او على العاطلين بل يشمل أيضا الشغالين وحتى أصحاب الاعمال الذين أصبحوا خائفين على مستقبل مواطن الشغل والمشاريع الخاصة في ظل التهديدات القائمة من كل جانب.

ثقة

يبدو بما لا يدع مجالا للشك ان كثيرا من التونسيين اليوم في حاجة إلى من يعيد إليهم الثقة في كل شيء : ثقة في المسار السياسي وثقة في الاستقرارين الامني والاجتماعي . وباتفاق الجميع فان هذه الثقة لا يمكن ان تتحقق دون وجود رغبة سياسية واضحة في إزاحة الخوف من قلوب المواطنين ، يترجمها عمل على أرض الواقع من حيث التحرك الأمني وأيضا شفافية ووضوح في العمل السياسي.



كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 16/06/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com