حكم من يتهم إنسانا بريئا بالعمالة لدي اليهود


اعلم رحمني الله وإياك أنَّ من أشد الآفات فتكًا بالمجتمعات والأفراد آفة "سوء الظن" لأنها تقضي على روح الألفة والمحبة والأخوة، وتقطع أواصر المودة والقربى، وتولد الشحناء والبغضاء والكراهية والحقد في نفوس المسلمين.

وللظن حالتان

الحالة الأولى: حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن، كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات .

والحالة الثانية: أن يقع في النفس شيء من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك، فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) الحجرات: 12.

وقال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) النور: 14

وقال تعالى: (وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ) الفتح : 12

وقال تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) النور: 12

ولقد علمنا المصطفي أن نحسن الظن بالناس حتى ولو ظهر لنا بعد البينة وكان فيها دواعي الشك والريب

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :جاء رجل من بني فزارة إلى النبي فقال: (إن امرأتي ولدت غلامًا أسود. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرُ. قال: هل فيها من أورق؟ [يعني فيه سواد] قال: إن فيها لأورقًا. قال: فأنى أتاها ذلك. قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عِرْق)رواه البخاري ومسلم

وعَنْ أبي هريرة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلا تَجَسَّسُوا ، وَلا تَحَسَّسُوا ، وَلا تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ) الصحيحين واللفظ للبخاري

وعن أبي هريرة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا ، أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) رواه مسلم

ويقول الشافعي رحمه الله

لا يكـن ظـنـك إلا سيـئـاً إن الظن مـن أقـوى الفطـن

ما رمى الإنسان في مخمصـةٍ غير حسن الظن والقول الحسن

وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله

فليس لك أن تظن بالمسلم شراً، إلا إذا انكشف أمراً لا يحتمل التأويل، فإن أخبرك بذلك عدل .

فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذوراً، لأنك لو كذبته كنت قد أسأت الظن بالمخبر

فلا ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسيئه بآخر، بل ينبغي أن تبحث هل بينهم عداوة أو حسد، فتتطرق التهمة حينئذ بسبب ذلك .

وقال ابن حجر رحمه الله

سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة، وهذه الكبائر مما يجب على المكلف معرفتها ليعالج زوالها لأن من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله، والعياذ بالله، بقلب سليم، وهذه الكبائر يذم العبد عليها أعظم مما يذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه إذ إن آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصير حالاً وهيئة راسخة في القلب، بخلاف آثار معاصي الجوارح فإنها سريعة الزوال،, تزول بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.

وكان السلف رضوان الله عليهم

يترفعون عن هذا الخلق الذميم والآثم المبين فيقول بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين،

ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه.

فهل لنا أن نتأسى برسول الله و بالسلف الصالح،

فقد نأوا بأنفسهم عن سوء الظن؟.

هذا والله أعلم


كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 10/06/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com