مناظرة هرب منها شفيق


كنت قد دُعيت إلى برنامج في قناة «الوطن» الكويتية للحديث عن الانتخابات الرئاسية في مصر وتقييم المرشحين المتنافسين فيها. ومما دعم ترحيبي بالمشاركة في البرنامج علمي بأن المرشح الرئاسي أحمد شفيق سيكون ضيفًا من خلال وجوده بالأستوديو الذي حجزوه خصيصًا بالقاهرة. بعد وصولي إلى الكويت فاجأني الإخوة المسؤولون بالقناة بأن الفريق شفيق قد اعتذر عن البرنامج عندما علم بأنني سأشارك فيه! وتعلل مسؤولو حملته بأن لدى سيادته ارتباطًا مهمًّا يمنعه من الذهاب إلى الأستوديو تنفيذًا لاتفاقه معهم. لمست شعور فريق البرنامج بالإحباط الشديد من المرشح الرئاسي الذي يريد أصوات شعب مصر بينما يخشى من مناظرة كاتب في برنامج تليفزيوني.

قلت لهم: لا تنسوا أن مناظرة شبيهة بهذه جرت العام الماضي مع الدكتور علاء الأسواني أدت إلى عزل شفيق من منصب رئيس الوزراء بعدما ظل متشبثًا به حتى تم خلعه نتيجة تظاهرات شعبية عارمة، ولعله لا يريد أن تتعمق جراحه في مواجهة كاتب آخر لن يسأله أسئلة من عينة: أين ترعرعت سيدي؟ بل سيسأله: أين الفلوس التي سمح بتهريبها بعد الثورة؟ وأين المجرمون الذين سمح لهم بالسفر حتى يفلتوا من العقاب مثل بطرس غالي ورشيد؟ هذا نموذج بسيط لما سأطرحه في البرنامج.

أما بقية الأسئلة فأعدكم بأنها ستكون مفاجأة إذا نجحتم في حمله على الحضور وعمل الحلقة. كان من أسباب ضيق الزملاء بالبرنامج أيضًا أنهم قاموا على مدى أيام عديدة بالتنويه عن الحلقة ولا يدرون ما يفعلون أمام الجمهور. قلت لهم: الأمر بسيط.. عليكم أن تعلنوا للناس حقيقة ما حدث دون زيادة ولا نقصان. على إثر هذا قام مسؤول البرنامج بالاتصال بحملة شفيق وأفهمهم أن رجلهم سيخسر كثيرًا إذا أعلنوا للناس أسباب انسحابه من اللقاء، بعد قليل أخبرني الزملاء بأن شفيق وإن كان قد اعتذر عن الذهاب إلى الأستوديو، لكنه وافق على عمل مداخلة تليفونية واشترط أن تكون في بداية البرنامج وأن لا يقاطعه في أثنائها أحد، وأن لا يوجِّه إليه أحد أي أسئلة، كذلك أن لا يعلق أحد على ما سيقوله بعد انتهاء المكالمة! عندما سمعت هذا أوشكت على استعارة أهم ما ترد به فتحية لموناتة في مثل هذه الأحوال، لكني قدَّرت أن الأشقاء بالكويت لا يعرفون السيدة لموناتة وقد يفاجئهم أسلوبها غير التقليدي، لكن ذلك لم يمنعني من التساؤل عن جدوى وجودي بالحلقة بعد هذه الشروط.. هل أقوم بالدعاية للسيد شفيق أم ماذا؟ قلت كذلك للزملاء: إنه من الأفضل لهم الاستغناء عن مكالمة شفيق والمضي في الحلقة دونه.. لكن يبدو أنهم استشعروا الحرج فسمحوا له بربع ساعة في بداية البرنامج، قال فيها كل ما يخطر بالبال من كلام غير مترابط، ولا علاقة له بأي قضية مما يشغل بال الناس، مثل الاتهامات العديدة التي تلاحقه بالفساد واستغلال النفوذ وتبديد المال العام. على أي الأحوال قمت بواجبي بعد مداخلة شفيق، وطرحت الأسئلة التي خشي شفيق مواجهتي له بها مثل: ما الذي يمنعه من الذهاب بنفسه إلى النائب العام ليحقق معه ويبرِّئ ساحته إن كان بريئًا؟! ومثل مسؤوليته الجنائية والسياسية عن موقعة الجحش التي وقعت بعد أن منح الثوار الأمان، ومثل ممتلكاته وذمته المالية، وأشياء أخرى كثيرة فرَّ الرجل من مواجهتها وآثر السلامة.

بعد عدة أيام صدر قانون العزل من مجلس الشعب المنتخَب وحمدنا الله أنه سيتم إبعاد شفيق عن السباق الرئاسي باعتباره من أعوان المخلوع الذين أفسدوا الحياة السياسية، لكنَّ القابضين على السلطة أصروا على بقائه بالمخالفة للقانون. هذا وقد وضح لكل ذي عينين بعد الجولة الأولى من الانتخابات أن هناك إصرارًا عنيفًا من جانب رجال العهد البائد على توصيل شفيق إلى المقعد الرئاسي بأي ثمن، وأصبحت مهمة شعب مصر التي تسبق ما عداها هي الضغط لمثول شفيق أمام جهات التحقيق ورفع الحصانة التي جعلت منه بحق مرشح الحرب الأهلية



كاتب المقالة : أسامة غريب
تاريخ النشر : 01/06/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com