وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ( 2 )


قبض أرواح الكافرين:

قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) الأنعام: 61

وقال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة: 11

وفي جزء من حديث البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال (فإن كان فاجراً  وكان في إقبال من الدنيا وانقطاع من الآخرة جاء ملك فجلس عند رأسه فقال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة أبشري بسخط من الله وغضبه، فتنزل الملائكة سود الوجوه معهم مسوح من نار فإذا قبضها الملك قاموا فلم يدعوها في يده طرفة عين، قال: فتفرق في جسده فيستخرجها، تقطع منها العروق والعصب كالسفود الكثر الشعب في الصوف المبتل، فتؤخذ من الملك فتخرج كأنت جيفة وجدت فلا تمر على جند فيما بين السماء والأرض، إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: هذا فلان بأسوأ أسمائه حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا فلا يفتح لهم، فيقولون: ردوه إلى الأرض إني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم، ومنها نخرجهم تارة أخرى، قال: فيرمى به من السماء. قال: وتلا هذه الآية: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) الحج: 31

قال: "فيعاد إلى الأرض وتعاد فيه روحه، ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدري. فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه فيقال: محمد، فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون ذلك، فال: فيقال: لا دريت، فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه. ويمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب، فيقول: أبشر بعذاب الله وسخطه، فيقول: من أنت فوجهك الذي جاء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث فوالله ما علمتك إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله سريعاً إلى معصية الله"رواه أحمد وأبو داود والحاكم ووافقه الذهبي

شأن الروح حين تخرج من الجسد

والصحيح والذي عليه أهل السنة، أن الروح ترفعها الملائكة حتى توقفها بين يدي الله تعالى فيسألها، فإن كانت من أهل السعادة قال لهم: سيروا بها وأروها مقعدها من الجنة. فيسيرون بها في الجنة على قدر ما يغسل الميت، فإذا غسل الميت وكُفن ردّت وأدرجت بين كفنه وجسده، فإذا حمل على النعش فإنه يسمع كلام الناس، من تكلم بخير ومن تكلم بشرّ. فإذا وصل إلى قبره وصُلِّي عليه، ردت فيه الروح وأقعد ذا روح وجسد، ودخل عليه الملكان الفتانان.

وأما الكافر: فتوخذ نفسه عنفاً، فإذا وجهه كآكل الحنظل والملك يقول:اخرجي أيتها النفس الخبيثة من الجسد الخبيث، فإذا له صراخ أعظم ما يكون كصراخ الحمير، فإذا قبضها ملك الموت ناولها زبانية قباح الوجوه، سود الثياب منتني الرائحة، يأيديهم مسوح من شعر، فيلفونها فيستحيل شخصاً إنسانياً على قدر الجرادة، فإن الكافر أعظم جرماً ( يعني في الجسم) من المؤمن في الآخرة. وفي الحديث ( أن ضرس الكافر في النار، مثل أُحد) رواه مسلم والترمذي

فيعرج به حتى ينتهي إلى سماء الدنيا، فيقرع الأمين الباب، فيقال: من أنت؟ فيقول: أنا دقيائيل، فهو اسم الملك الموكل على زبانية العذاب، فيقال: ومن معك؟ فيقول: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه وأبغضها إليه في دار الدنيا، فيقال: لا أهلاً ولا سهلاً ولا مرحباً.

 قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) الأعراف: 40

فإذا سمع الأمين هذه المقالة ، طرحه من يده ، أو تهوي به الريح في مكان سحيق أي : بعيد ، وهو قوله عز و جل: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) الحج: 31

فإذا انتهى إلى الأرض ابتدرته الزبانية ، و سارت به إلى سجين ، وهي صخرة عظيمة تأوي إليها أرواح الفجار . وأما النصارى واليهود الذين ماتوا على التوحيد ، فمردودون من الكرسي إلى قبورهم . هذا من كان منهم على شريعته ويشاهد غسله و دفنه، وأما المشرك فلا يُشاهد ُ شيئا من ذلك لأنه قد هوي به، وأما المنافق فمثل الثاني يرد ممقوتاً مطروداً 

قد هوي به.والله أعلم بغيبه

عذاب الكافرين في قبورهم

قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشّةً ضَنْكًا ) طه:124

قال أبو سعيد الخدري وابن مسعود: ضنكا، قال عذاب القبر. وقيل في قوله عزوجل:( وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) الطور:47 هو: عذاب القبر لأن الله ذكره عقب قوله: (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) الطور: 45 وهذا اليوم هو اليوم الآخر من أيام الدنيا، فدل على أن العذاب الي هم فيه هو عذاب القبر، وكذلك قال: (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الطور: 47 أنه غيب. وقال: (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ،النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) غافر:45ـ46. فهذا عذاب القبر في البرزخ

وقال ابن عباس في قوله تعالى: (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) التكاثر: 3 ما ينزل بكم من العذاب في القبر (ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) التكاثر: 4 .في الآخرة إذا حل بكم العذاب . فالأول في القبر، والثاني في الآخرة فالتكرير للحالتين. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك.

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده

تمني العبد العودة بعد الموت

قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت)المؤمنون:99ـ100

يعود الكلام في السورة إلى قول المشركين ; أي قالوا " أئذا متنا - إلى قوله - إن هذا إلا أساطير الأولين " . ثم احتج عليهم وذكرهم قدرته على كل شيء، ثم قال هم مصرون على ذلك حتى إذا جاء أحدهم الموت تيقن ضلاله وعاين الملائكة التي تقبض روحه، كما قال تعالى : " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة " الأنفال: 50. والمشرك يتمنى الرجعة كي يعمل صالحا فيما ترك ،ويقول المؤمن: أي فيما ضيعت وتركت العمل به من الطاعات. وقيل " فيما تركت " من المال فأتصدق . و " لعل " تتضمن ترددا ; وهذا الذي يسأل الرجعة قد استيقن العذاب , وهو يوطن نفسه على العمل الصالح قطعا من غير تردد . فالتردد يرجع إما إلى رده إلى الدنيا , وإما إلى التوفيق ; أي أعمل صالحا إن وفقتني ; إذ ليس على قطع من وجود القدرة والتوفيق لو رد إلى الدنيا . وقال ابن عباس: يريد أشهد أن لا إله إلا الله .

 وللحديث بقية

بإذن رب البرية

 



كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 02/05/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com