السعودية ومصر.. حصن الأمة المنيع


لا يحتاج المرء إلى عظيم جهد لإثبات مودته، ونقاء سريرته، وحسن ظنه بمن يحيط به، لأن السيرة هي انعكاس للسريرة، وسيرة المملكة ومواقفها مع الأمة بادية للعيان.. ولا تتطلب إرهاف سمع، أو مزيد تبصر أو تبحر أو بهرجة، وإنما هي كما هي؛ على سجيتها الإسلامية الوسطية النبيلة، أفياؤها الحكمة، وفي أرضها القداسة.. بيد أننا نضطر بين الفينة والفينة إلى كلمات لوأد الفتنة، وإرجاع الأمور إلى نصابها.. بعد أن خرجت من عقالها. تمثل المملكة عمقا استراتيجيا لمصر، وتشكل مصر ــ بدورها ــ عمقا استراتيجيا للمملكة، وغنى عن القول إن العلاقة السعودية المصرية علاقة متميزة، وفريدة، وجوهرية؛ تنطلق من مبادئ أخوية وإسلامية؛ بنيت على قواعد صلبة وراسخة ورؤى استراتيجية بعيدة المدى تخدم في المقام الأول قضايا الأمة الحيوية والحساسة. والمتتبع لتلك العلاقة يعلم أنها أضحت علاقة قوية ومتينة ليس على المستوى السياسي فقط؛ بل على مستوى الشعبين الشقيقين أيضا. وفي قراءة تاريخية قريبة وسريعة أثناء الغزو العراقي للكويت برز لنا دور تلك العلاقة المتينة في استرجاع الكويت وحماية العراق. كما أن الشعبين الصديقين يرتبطان برباط ثقافي واجتماعي وديني لا يحتاج إلى مزيد إثبات، أو قرائن تثبت.. إذن فالعلاقة بين البلدين لا تحكمها المفاهيم السياسية، والأعراف الدبلوماسية بقدر ما هي مبنية على منهجية راسخة من الأخوة. ومما لاشك فيه أن العلاقات الأخوية يشوبها بعض الاختلافات في وجهات النظر، وهو أمر بديهي ويحصل في أي وقت، والعقلاء دائما هم من يعملون على تجاوز الخلافات الجدلية التي لا تخدم المصالح الاستراتيجية. وفي الفترة الأخيرة دخل بعض الحاقدين على هذه العلاقة لتشويهها خدمة لأغراضهم وكرها في مصر والسعودية ــ العروبة والإسلام ــ وبغضا فيهما. إن أعداء مصر والسعودية هم أعداء للإسلام السمح والوسطي، وهم وحدهم المنتفعون من توتر هذه العلاقات ليشتتوا شمل الأمة، ويمزقوا اللحمة ليخلو لهم الجو لنشر معتقداتهم الفاسدة وآرائهم المدمرة، وعلى ما يبدو من قراءة الأحداث بأن هذه الفئة المدحورة تعمل على تحويل صغائر الأمور إلى عظائم وويلات؛ سعيا منها لإحداث الشرخ الذي تنشده في علاقة المملكة الاستراتيجية مع مصر. إن حادثة الجيزاوي حادثة عابرة لمشكلة أمنية يفصل فيها القضاء، وهي بهذا الحجم لا أكثر.. والقضاء في المملكة قضاء عادل نزيه؛ لأنه وببساطة يستمد أحكامه من الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وهو بذلك منزه عن الأهواء والمصالح الضيقة، ولا تتأثر أحكامه بشوشرة أو جعجعة من أي طرف كان، لأن مرجعها دوما كتاب الله تعالى وسنة نبيه الأمين، وبغض النظر عن حيثيات هذه الحادثة وما آلت إليه؛ فإن المجرم مجرم في أي دولة، ومن حق أية دولة أن توقع العقوبة على صاحب الفعل الإجرامي ــ إن ثبت قضائيا ــ، بل إن هذا الأمر يعد من أبجديات السيادة لأية دولة سواء أكانت مصر أو السعودية أو غيرهما. ولعل ما يكدر الخاطر، ويبعث على الحزن، ويثير الاستغراب؛ طريقة معالجة بعض الكتاب والإعلاميين من الإخوة المصريين لهذه القضية، ونؤكد في هذا المقام أن الضرب بسياط القلم، والتصعيد الإعلامي ورفع الصوت، وتسليط الضوء على الأحداث التي قام بها غوغائيون لا يمثلون مصر العروبة والإسلام ولا يمثلون الشعب الأبي؛ فالثورة لا تعني الخروج عن كل المواثيق السياسية والأعراف الدولية في التهجم على السفارة السعودية والاعتداء عليها وهذا من شأنه إذكاء الفتنة والإضرار بالعلاقة التاريخية بين البلدين، فالهجمات في الصحف والتلفزيون يقودها أناس، تهذي بما لا تدري، وتجرح وتعمق وتدمي وهي لا تعي، وتهدف إلى زرع الفتنة وإشعال فتيلها، وأنا أدعو الغيورين من الجانبين للسمو فوق الحاقدين، والابتعاد عن أصحاب الأهداف الخفية، وأدعو الأقلام ــ من الجانبين ــ إلى تهدئة الأوضاع وتجنب الألفاظ النابية، والهجمات المتبادلة! ريثما يكتب الله تعالى مخرجا، لأن هذا خيار الحكماء.. وشيم النبلاء.. ومنهج الغيورين الشرفاء.. فالسعودية لا تحتاج مصر، ومصر لا تحتاج السعودية بل الأمة الاسلامية بأسرها هي من تحتاجهما معا.. إذن لنحكم العقل لما فيه مصلحة الأمة، ولتهدأ النفوس! دمتم سالمين.



كاتب المقالة : محمد السديري
تاريخ النشر : 01/05/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com