تخوفات "إسرائيلية" من برلمان مصر


مصر ما بعد الثورة تفرغ اتفاق السلام من مضمونه وتتحول إلى عدو لدود ومرير لـ"إسرائيل".

فقد حدد الدكتور محمد السعيد إدريس - رئيس لجنة الشئون العربية في البرلمان - في البيان الرسمي للجنة بتاريخ 12 مارس والذي صادق عليه أعضاء البرلمان المصري الخطوطَ العريضة لسياسة مصر الإقليمية، والتي تم رسمها بقيادة الأغلبية البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين والحزب السلفي والأحزاب اليسارية المصرية.

هذا وقد اكتسب بيان لجنة الشئون العربية الذي تلاه إدريس أهميةً كبيرةً سواء من ناحية صياغته أو مضمونه؛ حيث لم يرد مصطلح (دولة إسرائيل) إطلاقًا في البيان، وتكررت بدلاً منه مصطلحات مثل "الكيان الصهيوني" و"العدو".

وقد ركز البيان على التوتر بين "إسرائيل" وقطاع غزة، ومجَّد "الإرهاب الفلسطيني" الذي يُطلق عليه "المقاومة"، ونفى وجود دولة "إسرائيل" التي يعرِّفها بأنها "كيان (استعماري) استيطاني ذو طابع عدواني، طَرَدَ بالقوة شعبًا من أرضه لإقامة دولة عنصرية"... حتى الولايات المتحدة توضع في قفص الاتهام في البرلمان المصري بسبب دعمها غير المشروط لـ"إسرائيل".

وتضمن بيان لجنة الشئون العربية عددًا من التوصيات العملية على المستوى السياسي، كان من بينها:

- تعريف "إسرائيل" رسميًّا كعدو: "مصر ما بعد الثورة لم تكن أبدًا صديقًا أو شريكًا أو حليفًا للكيان الصهيوني، فنحن نراها العدو الأول لمصر والأمة العربية، فمصر تتعامل مع هذا الكيان على أنه عدو والحكومة المصرية عليها إعادة النظر في كل علاقاتها واتفاقياتها مع هذا العدو الذي يشكل تهديدًا على الأمن والمصالح القومية لمصر".

- قطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل": بطرد السفير "الإسرائيلي" من القاهرة، وإعادة السفير المصري من تل أبيب، ووقف تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني، وتجميد اتفاقية "الكويز" التي تضر شروطها بـالسيادة والمصالح القومية المصرية.

- الوقوف إلى جانب الكفاح المسلح ضد "إسرائيل": "تقديم كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية من أجل السماح لهذا الشعب بالوقوف في مواجهة سياسة العدوان "الإسرائيلي"، وتبنِّي سبيل المقاومة بكل أشكاله وصوره وانتهاج هذا السبيل الإستراتيجي لتحرير الأرض المحتلة، بعد أن أكد قادة الكيان الصهيوني أن مسيرة السلام ليست إلا مسارًا كاذبًا لتسويف الأهداف وكسب مزيد من الوقت حيث يريد هذا الكيان تهويد أرض فلسطين".

- دعم الجبهة الفلسطينية الموحدة لتحرير فلسطين: "دعوة كل المنظمات والفصائل الفلسطينية للتوحد وإنهاء الخلافات والانقسامات والعمل على إعادة تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية على هامش إعادة قيادتها للنضال الفلسطيني لتحرير الأرض المحتلة".

- إعادة النظر في السياسة المصرية النووية: "مطلوب من الحكومة المصرية إعادة فتح قضية النووي "الإسرائيلي" ومناقشة القدرة النووية "الإسرائيلية" لكونها مصدر تهديد مباشر على الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي؛ ولذلك يتوجب على الأسرة الدولية التعامل بجدية مع التهديد النووي "الإسرائيلي" كما تتعامل مع الملف النووي الإيراني، وعلى ذلك يتوجب على مصر أن تستعد على الفور لإعادة النظر في السياسة النووية المصرية والتي تعارض انتشار السلاح النووي وتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فـ"إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي ترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي وتطوير منشآتها النووية، وبالأخص مفاعل "ديمونا" وزيارة مراقبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآتها النووية".

- المطالبة بالقيام بسياسة نشطة وفاعلة ضد "إسرائيل": "نحن نطالب بأفعال لا أقوال، والأفعال لابد أن تكون أفعالاً جدية تكون جديرة بحكومة وبرلمان مصر ما بعد الثورة، فنحن لن نتقاعس عن الدفاع عن وطننا وأمتنا".

وهذا البيان الصادر عن لجنة الشئون العربية قد أُقرَّ بالإجماع والتصفيق في البرلمان المصري الذي يعبِّر عن الإدراك الحقيقي للقيادة المصرية الإسلامية - بمشاركة الأحزاب اليسارية أيضًا - أن "إسرائيل" هي العدو الأول لمصر والعالم العربي والإسلامي، ومعاهدة السلام معها (اتفاقية كامب ديفيد) هي بمثابة جثة هامدة.

إذن، فالنغمات الجديدة في مصر تشير إلى بداية صياغة مصر لسياسة المواجهة مع "إسرائيل"، في البداية على المستويات السياسية والاقتصادية ومن خلال الدعم المباشر للكفاح المسلح للمنظمات الفلسطينية، وبالتالي تضع مصر نفسها على مسار تصادمي مع "إسرائيل"، وتستخدم القضية الفلسطينية بجميع جوانبها كذريعة للتدخل المباشر.

وهانحن نرى على المستوى العملي؛ "تعلن القيادة المصرية الجديدة التزامها بمساعدة المقاومة الفلسطينية بكل صورها وأشكالها"، وهو ما يعني تقديم مساعدات مباشرة لـ"الإرهاب الفلسطيني"، وهو ما قد يكون بواسطة المال والسلاح والتدريب ونقل المعلومات الاستخبارية.

وأما تعريف "إسرائيل" كـ"عدو رئيس" يهدد الأمن القومي المصري والعربي فله أهمية كبيرة، حيث إنه يعني بناء قدرة عسكرية للتعامل مع التهديد "الإسرائيلي"، بما في ذلك محاولة حرمان "إسرائيل" من ميزتها في المجال النووي وحصول مصر على قدرة عسكرية نووية.

وفي الوقت الحالي لا تستطيع القيادة السياسية الجديدة في مصر استخدام جميع الأدوات المؤسسية لترجمة السياسة الحالية إلى أفعال، نعم؛ حصلت جماعة الإخوان المسلمين والحزب السلفي على الأغلبية المطلقة في البرلمان ومجلس الشورى، لكنهما لم يستكملا بعد أهداف الثورة وفي مقدمتها نقل الصلاحيات الكاملة من الحكم العسكري إلى حكم مدني منتخب؛ فالقيادة العسكرية تحكم مصر الآن بشكل مؤقت، وهذا الوضع من شأنه أن يتغير في الأسبوع الثالث من شهر مايو مع إجراء الانتخابات الرئاسية، ثم تشكيل حكومة مدنية جديدة.

وفوز الإخوان المسلمين بالانتخابات الرئاسية سيُكمل سيطرتهم على النظام السياسي في مصر وسيتيح لهم تكريس مكانتهم وتطهير الجيش من "الحرس القديم" وإعادة مصر إلى مكانتها كزعيمة للعالم العربي، وهي الزعامة التي يعد النضال ضد "إسرائيل" أحد ركائزها.

والموقف المصري الذي يدعم بشكل كامل حماس ونهج المقاومة ضد "إسرائيل" يقوض عمليًّا قدرة القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية برئاسة أبو مازن على القيام بتحركات سياسية نحو اتفاق حل وسط تاريخي مع "إسرائيل".

وعلاوة على ذلك، فإنه يمهد الطريق بشكل تدريجي لاحتكاك سياسي دائم مع "إسرائيل"، والذي قد يصل إلى خطر وقوع صدام عسكري (على خلفية عملية "إسرائيلية" في قطاع غزة أو على خط الحدود بين "إسرائيل" ومصر) وقد يؤدي على المدى الطويل إلى بناء جبهة عسكرية عربية على الحدود الجنوبية لـ"إسرائيل



كاتب المقالة : يهوناتان داحوح هاليفي ــ ترجمة: رانيا فوزي
تاريخ النشر : 14/04/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com