ينطلق التقرير الاستراتيجي السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الجديد للعامين 2014 -2015، في تقديره للتحديات التي سيكون على الاحتلال التعامل معها في الفترة المقبلة، من أن ما واجهته إسرائيل، سابقاً، من تهديدات مستمرة في الفترة المقبلة من منطلق عدم اختفاء أي مصدر من مصادر التهديدات الاستراتيجية لإسرائيل طيلة عام 2014. مع ذلك يبرز التقرير، أن أحداث عام 2014 شهدت تغييرات في مكانة إسرائيل الإقليمية، كما أثبتت خطأ وتقويض المفهوم الإسرائيلي العام القائل بإمكانية "الوقوف جانباً وعدم التدخل وبناء سور يمنع امتداد وارتدادات عدم الاستقرار الإقليمي إلى داخل الحدود الإسرائيلية".
ويستعرض التقرير أهم هذه التطورات بدءاً من عدوان "الجرف الصامد" في قطاع غزة، ظهور نمط العمليات الفردية التي يسميها التقرير بظاهرة "الذئب الوحيد" في الضفة الغربية، فضلاً عن المواجهات بين قوات الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في محيط وعلى مداخل المسجد الأقصى في ميدان المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية. لينضم المعهد في هذا السياق إلى خطاب اليمين الإسرائيلي بوصفه التحرك الفلسطيني الدولي، بأنه "إرهاب سياسي ينضم إلى المقاومة المسلحة".
اقرأ أيضاً: مؤتمر "الأمن القومي الإسرائيلي": المنطقة 3 محاور
وفي السياق الإيراني، يعتبر التقرير، أن التوقعات الإسرائيلية في عام 2014 بشأن التوصل إلى اتفاق بين مجموعة دول "5+1" مع إيران لم تتحقق. كما ثبتت عدم صحة الادعاءات والأصوات الإسرائيلية القائلة، إن إيران خرقت شروط الاتفاق المرحلي، الذي تم إعلانه في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. ويعني هذا، بحسب التقرير، أنه خلاف لتوقعات عام 2014، فإنه لم يتم إحراز أي تقدم أو تغيير جوهري على أهم ساحتين لهما أثر كبير على مستقبل الأمن القومي الإسرائيلي، وهما الساحة الإيرانية والساحة الفلسطينية.
الطريق مسدود على الجبهات كافة
وعلى الرغم من أن التقرير يحدد بأنه لم يتم الوصول إلى مرحلة أو حالة "نهاية اللعبة" في ميادين المواجهة مع حركة "حماس" في غزة وفي الثورة السورية، فضلاً عن استمرار تمدد "داعش" في العراق وسورية، مقابل استمرار انهيار الإطار العام للدول في المنطقة، كما هو حاصل في ليبيا واليمن، فإنه تثور الشكوك مقابل هذا الوضع في صحة وفاعلية السياسة الإسرائيلية في الحفاظ على الوضع القائم والعمل على التقليص لأدنى حد ممكن للأخطار المحيطة بإسرائيل.
ويلفت التقرير إلى أن إسرائيل تمكنت، عملياً، من اجتياز عام آخر في صراع بقائها وتقليل حجم الأخطار والتهديدات، لكن على الرغم من ذلك يدعو مركز أبحاث الأمن القومي، من خلال التقرير، إلى وجوب إطلاق مبادرة سياسية إسرائيلية تأخذ بالحسبان، أيضاً، سبل الاستفادة من الفرص التي توفرها الحالة الإقليمية لتعزيز مكانة إسرائيل الاستراتيجية. وقد يكون هذا الأمر مصحوباً بزيادة فرص التوصل إلى تسوية سلمية من دون التنازل عن مصالح إسرائيل الحيوية.
ويحصر التقرير الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في عام 2015 وسط حالة الهيجان في المنطقة العربية بخمسة ملفات أساسية، تحت عنوان طريق مسدود على الجبهات كافة.
الملف الإيراني
يعتبر التقرير، أن إيران ومشروعها النووي يتقدم الأخطار الخارجية المهددة للأمن الإسرائيلي، إذ إن إيران معنية في سياق المباحثات مع دول "5+1" في المحافظة على مكتسباتها وإنجازاتها في مجال الذرة التي تبقيها "دولة حافة نووية"، وهي تريد، في الوقت نفسه، رفع العقوبات الاقتصادية كافة عنها.
ويرى التقرير، أن الغرب من شأنه للحيلولة من دون الوصول إلى "اتفاق سيء" أن يقبل بتمديد اتفاق نوفمبر/تشرين الثاني وتمديد المفاوضات النووية مرات عدة، لكن ذلك سيفضي وفقاً للتقرير إلى أن يمنح إيران شرعية بعيدة الأمد للوصول إلى مكانة "دولة حافة نووية". وينصح مركز أبحاث الأمن القومي الحكومة الإسرائيلية بالتعاون الكامل مع حلفائها لضمان عدم توقيع "اتفاق سيء"، في مقابل مواصلة بناء خيارات استراتيجية لمواجهة ومنع أي محاولة إيرانية لتحقيق "انطلاقة نووية" وقدرات نووية، على أن تحسن إسرائيل من جاهزيتها، أيضاً، استعداداً لأي تصعيد مع أذرع إيران في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني.
الملف الفلسطيني
الجبهة الشمالية
يرى التقرير، أنّ الجبهة السورية هي أيضاً مسدودة الأفق بفعل الحرب الأهلية في سورية، والتي وصلت إلى طريق مسدود؛ فليس بمقدور مقاتلي المعارضة إخضاع النظام، كما يعجز النظام السوري الذي يتلقى الدعم المالي والعسكري المتواصل من إيران والعراق وحزب الله عن حسم الأمور لصالحه.
ويتوقف التقرير الإسرائيلي عند انتشار قوات حزب الله في الجانب السوري من الجولان، مستعرضاً جولات القتال بين الحزب وبين قوات جبهة النصرة والتنظيمات الجهادية الأخرى على مدار عام 2014، عبر التهديد بتوسيع ساحة المواجهة مع إسرائيل و"ضرب جهودها لبناء نمط من التعاون مع قوى معارضة سورية في المكان غير منضوية تحت لواء "داعش" أو أي من تنظيمات القاعدة".
ويعتبر التقرير هذا التطور مصدر قلق أساسي يهدد بمزيد من التصعيد والمواجهات القادمة بين إسرائيل وحزب الله (على غرار عملية القنيطرة وعملية شبعا رداً عليها)، مع مخاطر انزلاق وتدهور الوضع وصولاً إلى مواجهة شاملة.
ظهور "داعش" والفرص التي يوفرها
يرى التقرير الإسرائيلي السنوي، أن ظهور تنظيم "داعش" و"الإنجازات التي حققها" ميدانياً، وإن كان شكل مفاجأة خلال عام 2014 إلا أنه أيضاً "وفّر ويوفر الفرصة لإسرائيل لبناء تحالفات جديدة مع الدول العربية المعتدلة".
العلاقات المصرية الإسرائيلية
فيما يشير التقرير إلى تحسن العلاقات الإسرائيلية – المصرية بشكل كبير على مدار عام 2014، ولا سيما بعد العدوان الأخير على قطاع غزة، فإنه يعتبر أن انتخاب وزير الدفاع المصري السابق، عبد الفتاح السيسي رئيساً، وحرب الأخير ضد جماعة الإخوان المسلمين وحركة "حماس"، والخطوات التي اتخذها في هذا السياق، وفرّت فرصاً إضافية لتعاون أمني وعسكري بين إسرائيل ومصر وتعميق هذا التعاون. لكن على الرغم من ذلك، يرصد التقرير أن هذا التعاون الأمني والعسكري لم يمتد، أيضاً، إلى مجالات التعاون المدني والاقتصادي بين البلدين.