موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || قبل أن تتحول سوريا إلى أفغانستان
اسم المقالة : قبل أن تتحول سوريا إلى أفغانستان
كاتب المقالة : المفكرة

منذ الأيام الأولى للثورة الشعبية في سوريا ضد نظام الأسد الطائفي المستبد ، والأثر الإسلامي ظاهر بقوة على مشهد الصراع ، فقد اتضح مع تحول الثورة من كفاحها السلمي إلى الجهاد المسلح ، أن الصبغة الإسلامية هي الأكثر حضورا ، والأشد لمعانا وظهورا ، في حين أن التيارات المحسوبة على العلمانية من ليبراليين واشتراكيين وقوميين وغيرهم كانوا حمولة زائدة ، تصدرهم وسائل الإعلام وتتسلط عليهم الأضواء ، لسحب البساط من تحت أقدام الثوار الحقيقيين ، في حين لا قيمة لهم على وجه الحقيقة في مجريات الأمور . ومع محاولة أمريكا احتواء الحراك الثوري ، بطرح فكرة إنشاء ذراع سياسي لها ، اتضح مدى الهوة بين الذراع العسكري والسياسي ، ففي حين جاء العسكري متماشيا ومتماهيا مع طبيعة تكوين الشعب السوري ، ومعبرا عن كل أطيافه وشرائحه ، جاء الذراع السياسي انتقائيا متماشيا ومتماهيا مع الرغبات الأمريكية والأوروبية التي كانت تريد احتواء الذراع العسكري بالسياسي ، حريصا على نيل الرضا الخارجي أكثر من كونه معبرا عن الشعب الذي يمثله ، ويتحدث باسمه ، خاصة منذ ولاية " أحمد الجربا " الذي تولى المنصب ابتداء ، وجدد له ثانية ، بضغط أمريكي على أعضاء التحالف .

أمريكا حاولت سحب البساط من تحت أقدام المجموعات الإسلامية المجاهدة في سوريا ، بتوجيه جل دعمها إلى العناصر العلمانية في الثورة السورية ، واتبعت الأسلوب الانجليزي الشهير " فرق تسد " بتصنيف الجيش الحر إلى شق علماني وآخر إسلامي ، وعلى الرغم من عبثية هذه المحاولة ، وحتمية فشلها ، إلا إن الأمريكان قد مضوا فيها قدما ، واصطنعوا اللواء " سليم إدريس " الضابط الكبير السابق في جيش الأسد ، والذي أصبح القائد العام للجيش الحر بعد إبعاد القائد المجاهد " رياض الأسعد " بمحاولة اغتيال فاشلة أفقدته ساقه . ومع تطور الأحداث في سوريا ولحس أمريكا لتهديداتها للأسد ، والتقارب السريع والمريب بين أمريكا وروسيا من جهة ، وبين أمريكا وإيران من جهة أخرى ، ومع ظهور شبه اتفاق نهائي على بقاء الأسد في سدة الحكم ، قررت الفصائل الإسلامية التي تشكل 75 % من قوام الجيش الحر تشكيل جبهة ذات قيادة واحدة مستقلة بذاتها عن الجيش الحر ، وذلك في أعقاب اتفاق كيري ـ لايفروف في سبتمبر الماضي والذي كشف بجلاء عن ضعف الائتلاف السوري المعارض ، وارتباطه بالأجندة الأمريكية ، وكشف أيضا حقيقة مؤتمر جنيف 2 والذي يهدف لإبقاء الأوضاع كما هي في سوريا ، وتحجيم المقاومة الإسلامية والكتائب المجاهدة ضد الأسد ، وشرعنة الوجود الإيراني بأذرعه اللبنانية والعراقية واليمنية على التراب السوري .

الجبهة الإسلامية الجديدة تشكلت من عدة كتائب إسلامية منها أحرار الشام وينضوي تحت لوائها عشرون ألف مقاتل ، ولواء التوحيد والفتح ، وله اثنا عشر ألف مقاتل ، وصقور الشام ، وتشكيلات أخرى ليصبح مجموع مقاتلي الجبهة أزيد من خمسين ألف مقاتل ، ولم تضم الجبهة الإسلامية  جبهة النصرة والتي تملك أكثر من عشرين ألف مقاتل ، ولكنها تحتفظ بعلاقات قوية ومتينة مع قادة الجبهة ، كما لم تضم مقاتلي دولة الإسلام في العراق والشام المعروف إعلاميا باسم " داعش " وهي الجبهة التي تسبب تهور قائدها أبي بكر البغدادي وغلوه في توتر العلاقات بينه وبين كافة المجاهدين السوريين ، خاصة جبهة النصرة ، بعد دعم الدكتور الظواهري للأخيرة في الخلاف الذي نشب بين البغدادي والجولاني قائد جبهة النصرة .

وكما هو معروف للجميع أن الثورة السورية قد أصبحت ثورة كونية تتداخل في فعالياتها الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية ذات الأجندات المتباينة ، والرغبات المتعارضة ، وعملاء التأثير في الثورة السورية كان لهم دور بارز في الأسابيع الأخيرة ، وخاصة منذ تشكيل الجبهة المتحدة ، ووضح بجلاء أن ثمة اختراقات ولو بصورة غير مباشرة لبعض التشكيلات المقاتلة من جانب أجهزة مخابرات سورية وخارجية ، ففجأة ودون مبررات معقولة ، أو مقدمات مقبولة ، اندلع القتال بين الجبهة الإسلامية الموحدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام ، وأعملت المقاومة الإسلامية سلاحها في نفسها ، فسقط مئات القتلى والجرحى في هذا القتال المرير الذي يعتبر بحق قتال فتنة ، كان الأسد وجنوده وداعموه هم أكثر الناس فرحا له وتطييرا لأخباره .

القتال الدائر اليوم في سوريا بين أجنحة المعارضة السورية يذكرنا ويجرنا جرا إلى مشهد شديد المأساوية يشبه ما يجري الآن على أرض الرباط في سوريا ، ونعني به الجهاد الأفغاني في ثمانينيات القرن المنصرم . فالأحزاب والتشكيلات الأفغانية تعاونت فيما بينها على قتال الروس ، وضربت أروع الأمثلة في إنكار الذات والبذل والتضحية ، فلما دخل القتال مرحلة السيطرة على المدن بدأت حظوظ النفس في الظهور ، ووقع التنافس بين جبهات حكمتيار وشاه مسعود وبرهاني وخالص وسياف وغيرهم من رفقاء السلاح وشركاء الجهاد ضد المحتل الروسي ، وتعطلت حركة التحرير بذلك كثيرا ، إذ بدأت مصلحة الحزب والحركة تراعي أكثر من مصلحة البلاد والجهاد ، كما أن حالة التنافس بين الأحزاب الأفغانية أدت لاعتماد كل حزب على طرف خارجي للدعم ومن هنا دخلت أمريكا وفرنسا وباكستان وإيران والسعودية ، وكان هذا التدخل الخارجي نذير فتنة أضاعت جهود السنين ، وشوهت وجه الجهاد المقدس .

الجهاد الأفغاني كان يعتمد على استمرار التوافق واستمرار الدعم الشعبي الإسلامي وهذا ما دفع زعيم المجاهدين "عبد الله عزام" رحمه الله  للتغطية على الأخطاء حفاظا على السمعة ، وهو أمر ساعد على استمرار الجهاد ، ولكنه وساعد أيضا على تضخم تلك الأخطاء ،وعندما كثر الكلام حول علاقة أحمد شاه مسعود بفرنسا سافر إليه عبد الله عزام وكتب (رحلتي إلى الشمال) وبرأ ساحته ثم انتهت الحرب وانكشفت العلاقة . فالمشاكل التي نتجت عن تنافس الأحزاب الأفغانية على الغنائم والدعم الخارجي كان من السهل تجاوزها عبر تحكيم العلماء والوجهاء .

وبتحليل المشهد الأفغاني نجد أن الإقصاء والرغبة في الاستئثار بالمشهد السياسي كان هو السبب الرئيس في الصراع بين الفصائل الإسلامية ، عندما ظهر الاستئثار بالسلطة بعد انتهاء الحرب ولغت الأحزاب الأفغانية بدماء بعضها وتولت عن أهداف الجهاد فاستبدل الله الجميع بحركة طالبان ، فمثلا أثناء الجهاد الأفغاني ضد الروس قام الشيخ جميل الرحمن بإعلان إمارة كونر الإسلامية ورفض احتجاج الأفغان مما أدى لاجتماعهم عليه والإطاحة به . جميل الرحمن كان يمثل السلفية بأفغانستان وكان مدعوما من علماء الخليج إلا أن إقصائه لبقية الأفغان جعلهم يرونها كخيانة لمشوار جهادهم المشترك . الجهاد الأفغاني أثبت أن معالجة الأخطاء تبدأ بكشفها كيلا تنموا في الخفاء ، وأن الإقصاء بوابة للاقتتال الداخلي لا تغلق إلا بترسيخ مبدأ الشورى .

واليوم في سوريا وبغض النظر عن المسئول في اندلاع هذا الصراع ، تجري نفس السنن التي جرت على المجاهدين الأفغان ، فقد تعطلت أعمال المقاومة ضد العدو الأصلي ، وتكبدت أطراف الصراع خسائر ضخمة ، وسقط كثير من الأبرياء والضحايا بلا ذنب ، وتعاظم النفوذ الخارجي بعد أن أصبح كل طرف في حاجة لدعم يقوي جبهاته القتالية ، وأصبحت لغة التخوين والتكفير والتفسيق المتبادل تسيطر على الخطاب الإعلامي لهذه الجبهات ، وانتهز نظام الأسد الفرصة وشن هجمات قاسية على المناطق والمعابر الحدودية التي كانت خاضعة لإدارة المعارضة الإسلامية ، كما حاول الأمريكان اختراق الجبهة الجديدة وإغراءها بالدخول في مسار " جنيف 2 " ، حتى تبدو بمظهر العميل والموالي للأمريكان ، والإيقاع بينها وبين تنظيم دولة الإسلام . بل وصل الأمر لدخول الصهاينة على الخط لصب مزيد من الزيت الحار على النار ، فقد كتب المحلل السياسي " دانيل بايبيس " أكثر الصهاينة تعصبا على وجه الأرض في افتتاحية الواشنطن بوست مقالا يدعو فيه لمساندة الثوار السوريين ضد تنظيم القاعدة في سوريا .

كل ذلك وغيره من محاولات إيقاع الفرقة وشق الصف المقاوم للنظام الأسدي الطائفي ، وتشويه صورة الجهاد الإسلامي الذي وجد له قدما راسخة على أرض الجهاد والرباط ، واستلهام نموذج الصراع الأفغاني ، لم يكن لها أن تنجح أو تؤتي ثمارها كما هو قائم اليوم ، لو تداعي المجاهدون إلى كلمة سواء ، وحكموا شرع الله عز وجل بينهم ، وتخلوا عن حظوظ النفوس وأهواء القلوب ، وتجردوا لله عز وجل وحده ، وعلموا أن الصراع على السلطة والإقصاء للآخرين لن يجلب إلا الخراب على البلاد والعباد . فهل من مدّكر ؟

تاريخ الاضافة: 16/01/2014
طباعة