موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || خطورة سياسة الإقصاء وصم الآذان
اسم المقالة : خطورة سياسة الإقصاء وصم الآذان
كاتب المقالة : بقلم / د . عبد الفتاح ماضي

تعيش البلاد منذ شهور مخاطر كثيرة تنذر بكوارث كبرى قد تهدد كيان الدولة ذاتها وتُدخلنا في متاهات لن نخرج منها قبل عقود. ولهذا علي الحكومة الحالية والمؤسسة العسكرية إدراك عدة حقائق تؤكدها القراءة الموضوعية المتجردة للواقع الحالي، أهمها:

الأولى: خطورة تصور أنه يمكن اقصاء تيار كامل من المشهد السياسي:

- هذا لم يحدث من قبل في أي مكان. فلم يحدث أن قضى اليساريون على اليمينيين ولا اليمينيون على اليساريين في أي دولة في العالم. وكل ما يترتب على محاولات إقصاء الخصم هو الدخول في حروب أهلية. وكل الحروب الأهلية هي في واقع الأمر نتيجة محاولات طرف إقصاء طرف آخر.

- وعادة ما تبدأ الحرب الأهلية بحالات عنف يظنها الناس أحداثا فردية إلا أنه سرعان ما تتطور إلى حرب شاملة. والأمثلة هنا تضم دولا كثيرة منها السلفادور وزائير والسودان والصومال واندونيسيا والكونغو ولبنان وموزبيق وانغولا وسيرلانكا ورواندا وكولومبيا وجواتيمالا والجزائر والفلبين ولبنان وبنغلاديش وغيرها.

- وفي كل الحروب الأهلية لم يختف التيار الذي اُستهدف أبدا برغم تصور كل طرف أنه سيقضي على الآخر. وفي بعض الحالات يصبح للذي استهدف دولة مستقلة كما في جنوب السودان وشرق إندونيسيا وغيرها. وعادة ما تؤدي الحروب الأهلية إما إلى تقسيم الجيوش أو تددميرها بالكامل. بل وقد تنتهي، في كثير من الحالات، إلى التقسيم، أو تدخل الخارج، أو الأمرين معا. بجانب تراجع اقتصاديات هذه الدول عشرات السنين إلى الوراء.

- وفي كثير من الحالات لا تسقط قضايا انتهاك حقوق الإنسان وتتم ملاحقة قادة الجيش والكتائب المسلحة قضائيا. وبعد ظهور المحكمة الجنائية الدولية، ارتفعت احتمالات ملاحقة هؤلاء. وهناك اليوم شكاوى أرسلت للمحكمة من 139 دولة، وهناك بالفعل عدة حالات تم فتح التحقيق فيها وملاحقة قادة الحروب في افريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا. هذا ناهيك عن لعنة التاريخ.

الثانية: هناك خطأ جسيم في التعامل مع أخطاء الإخوان السياسية:

- فبجانب أن كل القوى السياسية أخطأت بما في ذلك المجلس العسكري، فإنه لا يجب أبدا محاسبة التيار الإسلامي بأكمله وتحميله أخطاء المرحلة الإنتقالية بالكامل. ففي هذا تعميم أدى إلى كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية، وأهم هذه الكوارث دفع الكثير من الشباب إلى التخلي عن العمل السياسي السلمي واعتماد العنف وسيلة للانتقام أو الوصول إلى السلطة

- كما أن اعتماد الحل الأمني في التعامل مع الأزمة لن يحقق نتائجه فالدم لا يجلب إلا الدم ويدفع الآلاف من الشباب إلى العنف ولو بعد حين. وتجارب تركيا والجزائر وليبيا مهمة للغاية، ففي كل هذه الحالات ضُرب التيار الإسلامي بقوة لكنه ظل قائما بل وعاد في بعضها وبقوة بعد دفع ثمن كبير.

- وليس من الصواب القياس على ما تم في التسعينيات، فالقضاء على الحركات العنيفة وقتذاك كان له ظروف مختلفة تماما. وتلك الحركات كانت حركات سرية وبدون قاعدة شعبية عريضة كما الاخوان المسلمين وحلفاؤهم اليوم. والتيار الإسلامي على وجه التحديد له قاعدة قوية برغم كل ما حدث ولو تركت أمامه الميادين ووقفت قوات الأمن على الحياد ستظهر هذه القاعدة الشعبية. كما أنه لو أجريت انتخابات ديمقراطية حقيقية سيحصد هذا التيار جزءا لا بأس به من الأصوات برغم كل ما جرى.

الحل الأسلم - والمجرب تاريخيا - هو التوافق على أطر دستورية ومؤسسية وقانونية تضع حدودا لكل من يصل للسلطة وتعاقب من خرج عليها بالقانون، والعمل على زرع ثقافة المسؤولية واحترام القانون والعمل السلمي.  

الثالثة: هناك قطاعات كبيرة من الشعب تلوذ بالصمت الآن لكنها تعارض ما جرى في 3 يوليو وتعتبره انقلابا عسكريا:

- هناك حركات ثورية أخرى وجماعات من الألتراس ترفض ما جرى أيضا. ولا يجب أبدا التهوين من قدرة هؤلاء على قلب الطاولة. ولولا تمسك الإخوان بشعارات عودة مرسي والشرعية لانضمت هذه القطاعات للمظاهرات بلا تردد. وهناك بالفعل تطوير للخطاب نحو التركيز على ضرورة عودة الجيش إلى ثكناته وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي. وهذا سيؤدي تدريجيا إلى انضمام هذه القطاعات إلى التظاهر ورفض المسار الحالي.

- وهناك قطاعات أخرى أيدت الجيش لأجل تحقيق أهداف ثورة يناير وتصحيح أخطاء الرئيس مرسي من وجهة نظرها وتحسين الأوضاع الاقتصادية. لكن وبالنظر إلى صعوبة تحقيق هذه الأهداف في ظل عدم الاستقرار السياسي والإنقسام المجتمعي الكبير، فإن من المتصور أن تظهر تحالفات جديدة لن تجد غير الجيش لتحميله مسؤولية الإخفاق في تلك الملفات كما حدث في السابق مع المجلس العسكري، ومع الدكتور مرسي ذاته. وسوف تُسّرع الأوضاع الاقتصادية السيئة الاتجاه إلى هذه التحالفات الجديدة.

الرابعة: هناك خطورة كبرى من تورط الجيش في السياسة وانشغاله عن مهامه الأساسية

- لهذا آثاره السلبية على الأمن القومي المصري والعربي. إن الحكومات العسكرية المباشرة (أو العسكرية بواجهات مدنية) تكاد تنقرض في العالم الثالث الآن، وما تبقى منها إلا بضعة أنظمة في دول صغيرة وفقيرة وشبه محاصرة

- أما ما هو شائع ومطلوب الآن فهو اخضاع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية المنتخبة بآليات ووسائل متدرجة تؤدي في النهاية إلى تقوية الجيش والديمقراطية معا. ولا يجب أبدا تصور أن الديمقراطية تمثل خطرا على الجيش، بل على العكس تماما. والأمثلة هنا تضم دولا صارت جيوشها أقوى بعد تحولها إلى الديمقراطية، مثل اسبانيا والبرازيل وجنوب افريقيا والأرجنتين وكوريا الجنوبية وفنزويلا وغيرها. 

إن المطلوب (الذي فشلنا فيه منذ 12 فبراير2011) هو إقامة دولة المؤسسات الديمقراطية المنتخبة والقادرة على فرز قيادات وطنية واعية، ووضع سياسات قوية لمعالجة كافة المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتقوية كافة مؤسسات الدولة وتحويلها إلى مؤسسات فعّالة تحتكم للقانون وتحمي الحريات وتقوم على عنصري الكفاءة والإنجاز ولا تعمل كطوائف داخل الدولة. مع وضع ضوابط ضد كافة التجاوزات التي عانينا ونعاني منها، وعلى رأسها تدخل الأمن والجيش والقضاء في السياسة واستخدام الدين والمال في الانتخابات، وانفلات الإعلام..

في السابق لم يستمع الرئيس مرسي لنصائح الناصحين وظن أن القطار الذي يقوده لن يوقفه أحد، فحدث ما حدث، واليوم على من في السلطة أن يستمعوا جيدا قبل فوات الأوان

تاريخ الاضافة: 09/12/2013
طباعة