موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || الرئيس الأجير القوي الأمين
اسم المقالة : الرئيس الأجير القوي الأمين
كاتب المقالة : معتز بالله عبد الفتاح

بدأنا الحديث، بعد طول غياب وممانعة من القابضين على إدارة المرحلة الانتقالية، عن موعد لفتح الباب الترشح للرئاسة. وسنجد أسماء كثيرة تطرح خلال هذه الفترة، ومن هنا يتذكر الإنسان الآية الكريمة القائلة: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26] والتي وردت على لسان ابنة شعيب، وقد جعلها كثيرون آية مركزية في السياسة الشرعية؛ لأنها تجمع عناصر الولاية: الاستئجار (من عرض وقبول للمنصب)، والقوة، والأمانة، وبما أن كتالوج التقدم في الكون له قسمات مشتركة، فقد أشار ماركوس أوراليوس - الإمبراطور الروماني الشهير - في «تأملاته» لنفس المعنى، ومعلوم أنه سابق على الإسلام بخمسة قرون، ونجد الكتب المعاصرة في موضوع «القيادة» تؤكد على نفس المعنى وإن كانت تضيف له أبعادًا أخرى متنوعة فصلتُ فيها في أكثر من مقال.

قال ابن تيمية: «اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أشكو إلى الله جَلَد الفاجر وعجز الثقة".

وهو ما يجعلنا نفهم لماذا وضع ابن تيمية ومن بعده ابن خلدون خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وزياد ابن أبيه والمغيرة بن شعبة مع آخرين في خانة من تفوقت عندهم القوة على الأمانة، دون أن نقدح في أمانتهم قطعًا، فهم في النهاية صحابة الرسول الذين مات وهو عنهم راضٍ، وحسابنا وحسابهم عند خالقنا.

وفي المقابل، وضع ابن تيمية بعض الأسماء مثل أبي ذر، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وسلمان الفارسي وغيرهم كأمثلة لأشخاص في نفس الخانة ممن تفوقت لديهم الأمانة على القوة. وكانت كلمات الرسول لأبي ذر مدخلاً مهمًّا لفهم هذه المعادلة: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفًا.. لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم).

إذن حين تفوقت القوة على الأمانة، كان لدينا خالد بن الوليد الذي يذكر ابن تيمية أن الرسول رفع يديه إلى السماء ذات مرة، وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد» وهو ما جعل عمر بن الخطاب يستنكر قتله مالك بن نويرة، ثم يعزله فيما بعد ويقول: "إن في سيف خالد رهقًا".

وحين تفوقت الأمانة على القوة كان لدينا أبوذر بما عرف عنه من ورع وزهد، لكن هذا ليس كافيًا كي يتولى أمانة الحكم بما تتطلبه من شكيمة وحسم وعدم الاستغراق في البحث عن شعبية زائفة، المشكلة هنا أن تولية الأمين، حتى وإن لم تكن فيه من صفات القوة ما يكفي أورثتنا مشاكل عديدة. أعود لابن خلدون الذي أوضح أن عثمان بن عفان «آنس فيه بعض الطامعين ضعفًا». وقال عنه ابن تيمية: "لم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته.. فطُمِع فيه بعض الطمع، وتوسعوا في الدنيا".

ولكنَّ هناك نموذجًا ثالثًا لتكامل عناصر القوة والأمانة مثلما كان في أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن الجراح، وهناك نموذج رابع لانتفاء أي من هذه العناصر، وهو معنى "أن يلي أمورنا شرارنا".

هذا حديث الماضي الذي ينبغي أن نستدعيه من أجل المستقبل؛ لأن هذه التركيبة من الصفات ليست أمر حظ أو مصادفة وإنما لا بد من اختبارها عن قصد وتدبر في الأشخاص المرشحين للولاية العامة عبر مؤسسات العمل المدني والحزبي والتنفيذي كي نعرف من يصلح لماذا؟ ومن ذا الذي تتكامل فيه صفات النزاهة الشخصية مع الكفاءة المهنية؟

الدرس المستفاد: لا تكرروا أخطاء الماضي البعيد والقريب. وآيةُ خيانةِ الأمانة ألاَّ يرى من يرشح نفسه للرئاسة الضعف الذي يجعله يضيع الأمانة.

المصدر: الشروق

تاريخ الاضافة: 11/02/2012
طباعة