موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || عودة صالح ورأس العولقي
اسم المقالة : عودة صالح ورأس العولقي
كاتب المقالة : شريف عبد العزيز

ـ حدثان كبيران وقعا هذا الأسبوع في اليمن السعيد ـ سابقا ـ بلا مقدمات ولا تمهيدات، وكلاهما يرتبط بعضها البعض، الأول عودة صالح إلي اليمن بعد عدة شهور قضاها في العلاج بمستشفيات الرياض من الإصابات البالغة التي لحقت به من جراء الانفجار العنيف الذي استهدف مسجد قصر الرئاسة، وقد واكب عودته تصعيد غير مسبوق على الصعيدين السياسي والميداني، فسياسيا أعلن صالح عن رفضه للتوقيع على المبادرة الخليجية، وفوض نائبه في التباحث مع المعارضة في سبل الخروج من الأزمة اليمنية، ثم ما لبث أن أعلن عن رفضه لأي مبادرات خارجية ورفضه للتنازل عن الحكم لأي من معارضيه، ودعاهم للاحتكام إلى صناديق الانتخاب وهدد بحرب أهلية لا تبقي و لا تذر، وأما على الصعيد الميداني فقد اندلع قتال عنيف بين قوات الحرس الجمهوري الموالية لصالح وبين فرق من الجيش اليمني المعارضة له والموالية لقائد الجيش والأخ غير الشقيق لصالح؛ اللواء محسن الأحمر، وهو القتال الذي شمل عدة مناطق في اليمن مثل صنعاء وتعز والجنوب، وسقط مئات القتلى والجرحى معظمهم من المدنيين الأبرياء،في تصعيد لم تشهده البلاد منذ معركة الوحدة في التسعينيات، وبدا المشهد شديد القتامة باليمن، في ظل تجاهل إقليمي ودولي لما يحدث في اليمن، وبدا للعيان أن صالحا قد تناول حبوب الشجاعة وأصبح أكثر شدة وعنف في مواجهة خصومه، وأن نفسه ونفوس أتباعه وأنصاره قد قويت وازدادت جرعات الثقة عندهم حتى أقدموا على هذه المجازر الوحشية بحق أبناء شعبهم .

ـ وأما الحدث الثاني فيعتبر المفسر الخفي  للتصعيد الذي واكب الحدث الأول، هذا الحدث هو إعلان وزارة الدفاع اليمنية الجمعة 30 سبتمبر مقتل الداعية اليمني  أميركي المولد " أنور العولقي "  المطلوب يمنيًا وأميركيًا، بتهمة الارتباط بتنظيم القاعدة،وأنه قد قتل مع عدد من رفاقه، وذلك دون أن تحدد تاريخ أو مكان مصرعه، ولا الطريقة التي قتل بها، لكن وكالة رويترز نقلت عن مسئول أمني يمني حديثه عن غارة جوية قتلت العولقي وبعض رفاقه، كما نقلت عن مصادر قبلية قولها إن الغارة استهدفت سيارتين في محافظة مأرب شرقي اليمن، وإن لم يُعرف بعد إن كانت بتنفيذ يمني أو أميركي، وقد أكد مسئول أميركي كبير نبأ مقتل العولقي، وسبق لسلطات اليمن أن أعلنت مصرع العولقي في ديسمبر الماضي مع ثلاثين من القاعدة، لكن اتضح لاحقا أنه لم يكن من ضمن القتلى .

ــ على ما يبدو أن قتل العولقي قد وقع ــ على فرض صحة الخبر ـ منذ عدة أيام و على الأرجح قبيل عودة صالح إلى اليمن، فقد كشفت وزارة الدفاع اليمنية عن "عمليات إستباقية مزدوجة وناجحة" قام بها سلاح الجو اليمني ضد "أوكارٍ لعناصر تنظيم القاعدة"، من غير أن تحدد مكانها أو المستهدف منها، وتتضح الرؤية أكثر بعد فشل المحاولة الثانية لاغتيال وزير الدفاع اليمني اللواء الركن محمد ناصر أحمد، يوم الثلاثاء الماضي، فقد نجا الوزير الموالي لصالح  من محاولة اغتيال استهدفته في مدينة عدن وأسفرت عن مقتل وإصابة عدد من مرافقيه، واتهمت السلطات اليمنية تنظيم القاعدة بالوقوف وراء المحاولة، وقد تعرض الوزير لمحاولة اغتيال سابقة في الـ30 من أغسطس الماضي، وذلك عندما انفجر في موكب لغم أرضي وضع في طريقه بمحافظة أبين التي ينتمي إليها الوزير والتي يقوم فيها بالإشراف على العلميات العسكرية الجارية في أبين ضد تنظيم القاعدة، فربما كانت المحاولة الثانية للرد على مقتل العولقي ومن معه .

ــ أنور العولقي واحد من أكثر المطلوبين دوليا وإقليميا بسبب قيادته لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب،وينحدر العولقي الذي ولد في الولايات المتحدة حيث حصل في جامعة ولاية كولورادو على دبلوم في الهندسة المدنية، من أسرة يمنية ميسورة، فهو ابنٌ لوزير زراعة سابق،وعُرف العولقي بخطبه النارية التي كان يلقيها في بعض مساجد الولايات المتحدة  بالإنجليزية، وهي لغة يتقنها مثلما يتقن العربية، مما جعل الولايات المتحدة تنظر إليه كرجل يمكنه تجنيد مقاتلين للقاعدة من رعايا الدول الغربية، وقد برز نجمه بعد مقتل العديد من قادة تنظيم القادة، وبعد ما نسب إليه من دور في تحريض الرائد الأمريكي نضال حسن الذي قتل 13 من زملائه الأمريكيين في قاعدة فورت هود بولاية تكساس وهي القاعدة الأكبر في أمريكا والعالم كله، وتمثل نقطة انطلاق لكافة القوات الأمريكية المتوجهة للقتال بالخارج مثل العراق وأفغانستان وغيرها، وقد وصف أوباما العولقي بأنه مشكلة أمريكية كبرى يجب حلها بأي ثمن، كما اتهمت واشنطن العولقي بأنه سلّح ودرب طالبا نيجيريا حاول تفجير طائرة عشيةَ أعياد ميلاد 2009، وفي مايو صرحت مصادر قبلية يمنية، إن العولقي قد  نجا بأعجوبة من غارة نفذتها طائرة أميركية دون طيار في شبوة، وجاءت بعد ثلاثة أيام فقط من مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان، وقد زعم الأمريكان أنهم قد وجدوا مستندات ووثائق تربط بين بن لادن والعولقي، وأمريكا قد حاولت تصفية العولقي عدة مرات ولكنها فشلت حتى نجح النظام اليمني فاقد الشرعية الشعبية في تحقيق هذه المهمة، وخلّص الأمريكان من عدو لدود وخصم عنيد وكابوس أرقهم لفترة طويلة .

ــ واليوم وبعد أن تم الإعلان عن مقتل العولقي نستطيع أن نعرف لماذا عاد صالح إلى اليمن بعد أن ظن الجميع أنه لا يعود، ونستطيع أن نفسر هذا التصعيد والدموية التي عليها القوات الموالية لصالح، وهذه الجراءة من صالح في تحدى شعبه، ولحس وعوده السابقة في التخلي عن السلطة، والتوقيع على المبادرة الخليجية، فكل ذلك قد اختلف بعد عودة صالح إلى القصر الجمهوري،و يؤكد هذا ما قاله ياسين نعمان الذي يتولى الرئاسة الدورية لتحالف أحزاب اللقاء المشتركة المعارضة في اليمن : إن عودة صالح المفاجئة من السعودية أوقفت التقدم نحو اتفاق لانتقال السلطة.

الثمن كان دم رأس العولقي، فصالح قد اتكأ في بقائه في سدة الحكم على اليمن طيلة السنوات الأخيرة رغم عن شعبه الكاره له، على محاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وقد روج في الأوساط العالمية أنه الوحيد القادر على مواجهة تنظيم القاعدة، وأن رحيله يعني انفجار العنف والأعمال العدائية ضد أمريكا في المنطقة، بل إن صالحا قد أفهم حتى دول الجوار بأنه الوحيد القادر على وقف تنظيم القاعدة في اليمن، والذي يمثل المخزون الاستراتيجي للتنظيم في جزيرة العرب كلها، فصالح بنى وجوده على هذه الأكذوبة، لذلك كان يوم مقتل أسامة بن لادن كان من أسود الأيام على صالح إذ ظن بأن أيامه قد بدت معدودة، وحجة بقائه على كرسي السلطة في اليمن رغم عن شعبه قد بطلت وذهبت، وأن الدعم الدولي والإقليمي سيرفع عنه، وأنه سيترك أكلة رأس لخصومه، ولعله أوّل ما جرى له من محاولة اغتيال بقصره من جراء هذا التخلي الخارجي عنه .

واليوم صالح يبرهن على مدى حقده واستعداده لتقديم القرابين المغموسة بالدم والقتل في سبيل البقاء على كرسيه شأنه في ذلك شأن باقي الطغاة زين العابدين ومبارك والقذافي من قبل، وهو وبشار من بعد، والجبل على الجرار كما يقولون، صالح قد دفع ثمن تذكرة عودته إلى اليمن واستلامه الحكم مرة أخرى وتصعيده ضد شعبه، دفعها برأس أنور العولقي الذي يعتبر في نظر كثير من اليمنيين وغيرهم مجرد داعية معادي لأمريكا وسياساتها في المنطقة، ليثبت أنه على استعداد لفعل أي شيء وكل شيء من أجل البقاء على كرسي السلطة في اليمن .



تاريخ الاضافة: 01/10/2011
طباعة