موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || الاستخبارات والعمليات والسياسة في إسرائيل
اسم المقالة : الاستخبارات والعمليات والسياسة في إسرائيل
كاتب المقالة : عدنان أبو عامر

يناقش الكتاب الصادر في شهر حزيران/ يونيو 2011، ما بات يعرف بـ"مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية" ومدى حاجة دولة صغيرة كـ"إسرائيل" فعلاً لهذا العدد من الأجهزة الأمنية، وأهمها: جهاز الأمن الخارجي (الموساد)، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، في ضوء "الإخفاقات" الأخيرة لإسرائيل في عدم قدرتها على التنبؤ بواقع القوى المعادية لها من جهة، ومن جهة أخرى الفشل في القدرة على توقع عدد من الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، التي حدثت خلال السنوات والأشهر الأخيرة، وكان لها أكبر الأثر على حاضر الدولة ومستقبلها، وصياغة تحالفاتها مع عدد من الأطراف والجهات داخلياً وخارجياً.

أثار الكتاب المذكور جدلاً حاداً في أروقة الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية، نظراً لـ"جرأة" المؤلفين غير المسبوقة، لا سيما وأنهما قادمين من قلب المؤسسة الأمنية، وقد منحا الكتاب أفضلية غير عادية نظراً لإطلالتهما الوافرة على أوجه الخلل والإخفاق التي تنتاب تلك المؤسسة.

كما أنه يلقي الضوء على أبرز الإشكاليات البنيوية في عمل تلك الأجهزة، سواء منها ما تعلق بـ: مدى الحاجة لها، وحجم التنسيق بينها، وكيفية صناعة القرار فيها، ومدى تأثير العامل السياسي في عملها، وتنبؤاتها المستقبلية بالنسبة لفرص السلام والحرب في المنطقة، إثر التغيرات الإلكترونية العالمية على بنية وعمل تلك الأجهزة، لا سيما انكشاف جزء من سرية عملها في الماضي.

وفي الوقت ذاته، عكف مؤلفا الكتاب على امتداح الدور الكبير والحاسم الذي تقوم به الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في الحروب، التي شنُّتها إسرائيل للقضاء على أعدائها في الداخل والخارج، ويشدِّد أنه لولا المعلومات الاستخبارية التي توفِّرها هذه الأجهزة، لما استطاع أن يحاربهم، كونها مكلفة بوقاية الأمن داخل إسرائيل وخارجها، ومنع أي تحرك معادٍ لها، وكشف الأنشطة التجسسية، ولعب دور بارز في تصفيات واعتقالات وأعمال تنكيل لإخضاع الفلسطينيين، وإجهاض انتفاضاتهم.

كما تقوم تلك الأجهزة بجمع معلومات حول إسرائيليين مرشحين لمناصب ووظائف حساسة، ويعمل فيها آلاف من الوكلاء السريين الموزعين في أنحاء الدولة، ومعظم أعمالها سرية، وتتمّ مساءلة القيمين عليها من قبل لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في حالات دقيقة وحرجة.

الدور الحاسم:

يقول المؤلفان: إن تلك الأجهزة الأمنية الاستخبارية، اضطلعت -وما تزال- بالدور الحاسم في الحرب ضدّ الانتفاضة الفلسطينية وقوى المقاومة المختلفة، فهي التي تتولَّى، عن طريق شبكة العملاء التي تحتفظ بها، تزويد المستوى السياسي بالمعلومات التي تساعده على اتخاذ القرارات الحاسمة؛ فضلاً عن أن جميع العمليات التي يقوم بها الجيش تعتمد بشكل أساسي على المعلومات التي تجمعها الأجهزة عبر عملائها، لا سيّما عمليات التصفية والاغتيال التي استهدفت قادة وكوادر القوى المعادية لإسرائيل.

ويلقي الكتاب الضوء بصورة مستفيضة على الطبيعة التنظيمية لتلك الأجهزة، وهيئاتها القيادية العليا التي تضمّ رؤساء الأقسام وقادة الدوائر والوحدات الكبيرة، وهم عادة من ذوي الإلمام العالي والخبرة والتجربة الشخصية في مجال العمل الاستخباري والتجسسي الميداني، وتعادل رتب أعضائها الرتب العسكرية لأعضاء هيئة الأركان العامة للجيش: جنرال، وميجر جنرال، وعميد.

كما يكشف سلسلة طويلة من الإخفاقات والعمليات الفاشلة، التي هزّت صورتها، وتسببت مراراً بحرج بالغ لإسرائيل، وألحقت ضرراً بعلاقاتها على المستوى الدولي، ومن أبرزها: الاغتيال الخاطئ سنة 1973 لنادل مغربي، اعتقد أنه المسؤول الفلسطيني البارز "أبو حسن سلامة"، وإقحام إسرائيل في المستنقع اللبناني سنة 1982 بتقديم معلومات خاطئة وأحكام مضللة عن الوضع هناك، واعتقال السلطات الأمريكية للعميل الإسرائيلي جوناثان بولارد سنة 1985، وفشل محاولة اغتيال قائد حماس في الأردن خالد مشعل سنة 1997، وفضائح تزوير جوازات سفر أوروبية لاستخدامها في عمليات اغتيال ضد شخصيات فلسطينية في لبنان وسورية سنة 2004، والكشف عن تفاصيل اغتيال قائد حماس العسكري في دبي سنة 2010 محمود المبحوح.

أكثر من ذلك، يدخل الكتاب إلى إخفاقات قال المؤلفان أنها "لا ترى بالعين المجردة" تتعلق بالفشل في وضع تقديرات موقف لأحداث محلية وإقليمية ودولية، ومنها: مفاجأة سقوط سور برلين، وانهيار النظام السوفييتي، وتعرض إسرائيل لصواريخ عراقية سنة 1991، وحركة القوات السورية في هضبة الجولان سنة 1996، وأحداث النفق في المسجد الأقصى 1996، والعمل العسكري المتوقع لحزب الله عقب الانسحاب من جنوب لبنان سنة 2000، وحرب لبنان الثانية سنة 2006، وفوز حماس في الانتخابات التشريعية وسيطرتها على قطاع غزة سنة 2007، وجميع هذه الإخفاقات وغيرها انعكست سلباً على واقع "إسرائيل" كدولة، وعلى علاقاتها الخارجية وسياساتها مع دول العالم.

ووجه المؤلفان سهام انتقاداتهما إلى جملة من هذه الأجهزة التي "أوقعت" الجيش في عدد من العمليات الحربية الفاشلة، ليس بسبب القصور في الناحية اللوجستية، وإنما بصورة أساسية لأسباب استخبارية تكمن في عدم فهم الواقع المعادي، سواء داخل فلسطين أو لبنان، وبات من الواضح أن المعطيات الميدانية الأمنية تشير إلى أن الجيش لم يُجهّز نفسه لكل السيناريوهات، ويبدو أن إحدى المشاكل في تلك المواجهات العسكرية هو مستوى التوقعات العالية من الجيش، بفضل التقارير الأمنية المغلوطة!.

البحث العسكري:

على صعيد الجيش، يتناول الكتاب بالتفصيل، ما تبذله إسرائيل خلال السنوات الأخيرة من مساعي حثيثة لإعادة تأهيل بنيتها العسكرية وهيكلتها، وتعزيز ترسانتها التسليحية وتحديثها، ومراجعة عقيدتها الاستراتيجية العسكرية، مستعرضاً عدداً من توصيات ورش العمل والأيام الدراسية التي عقدتها هيئة الأركان ومراكز البحث العسكري، شارك فيها كبار الجنرالات من مختلف القطاعات، إلى عدد من الاستنتاجات لتأهيل الجيش، من ناحية الهيكلية والتسليح والاستراتيجية، يمكن تلخيصها في النواحي التالية:

1ـ زيادة عدده، بدل تقليصه كما تقرر سابقاً، وستتمّ الزيادة لصالح سلاحي المشاة والمدرعات.

2ـ تعزيزه بلواءين مدرعين، وتحديث سلاح الجو، وتطوير منظومة الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات ضدّ صواريخ أرض- أرض بعيدة المدى من طراز "سكاد"، ولاعتراض الصواريخ متوسطة المدى، مثل "فجر" أو الصاروخ من عيار 220 ملم، وضدّ الصواريخ قصيرة المدى.

3ـ تحسين قدرة المناورة البرية وقدرات تفعيل النار من بعيد، ومنح الأفضلية للمناورة على حساب الجهد الناري، الذي تأسست عليه النظرية الجوية الفاشلة.

ويرى المؤلفان أن قائمة الإخفاقات التي أصابت قوة الردع الإسرائيلي في مقتل، تسببت بظاهرة أطلقا عليها "الانحلال" الذي شهدته تصورات القوة العسكرية، وكيفية استخدامها، وأخذت مستويات عدة:

أ. ‌المستوى الأول: الاعتقاد السائد خلال العقد الأخير بأن احتمالية اندلاع الحرب مع الدول المحاذية لإسرائيل في الدائرة الأولى، متدنية، وأن التهديد الجوهري يأتي من الدول الواقعة في الدائرة الثانية كإيران، ومن الفلسطينيين في الدائرة الداخلية، مما يفسر أن عمليات التدريب وتخصيص الموارد والاعتمادات تركزت عليهما، وهناك فِرق أُغلقت، وبرامج تسلح أُلغيت، وجهاز الاحتياط لم يخضع للتدريب استعداداً لإمكانية اندلاع حرب في الدائرة الأولى.

‌ب.  المستوى الثاني: التقدير القائل بأنه إذا اندلعت الحرب في الدائرة الأولى، فإن إسرائيل ستكون معنية بإبقاء الوضع القائم، وعدم التسبب في تغييره، لذلك ادُعي أنه يكفي كبح "العدو" بواسطة نيران دقيقة كقصف مدفعي وجوي، ولا توجد أهمية للمناطق البرية وللتدريبات الأرضية في عمق العدو، علماً بأن تفضيل النار على حساب المناورة والمناطق البرية أمر بحاجة لإعادة قراءة، لأن منْ يهتم فقط بتدمير دبابات العدو المقتربة من حدوده، إنما يركز على حماية الدولة، وليس على أمنها!.

 ‌ج. المستوى الثالث: المتمثل في التبني الحماسي لأفكار "العمليات الموجهة النتيجة"، التي يتبناها الجيش الأمريكي، ويتمثل هدفها في شلّ الخصم، وليس إبادته، عبر طباعة