موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || بين النقاب و”الميكرو جيب” محاولة لفهم تدخل السلطات في لباس المغربيات( 1 )
اسم المقالة : بين النقاب و”الميكرو جيب” محاولة لفهم تدخل السلطات في لباس المغربيات( 1 )
كاتب المقالة : إبراهيم الطالب

رغم أن دستور المغرب ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، إلا أن النظام المغربي باعتبار منظومة القوانين التي تنظم الشأن العام والعلاقات بين الأفراد يُعتبر دولة ليبرالية؛ فلقد بات من الواضح أنها ترفع شعار الثوابت فقط لترمي به في وجه من تريد محاربته، أو التضييق عليه، وقد رأينا كيف أن الحكومة أيام شكيب بنموسى قد سوغت قرار إغلاق أكثر من 65 جمعية مؤطرة لدور القرآن، بكونها تخالف المذهب المالكي فيما تقدمه من علوم شرعية.

هذا الاستغلال للثوابت توسع وتمطط لتندرج ضمنه خصوصيات مغربية، فوصل ذروته أخيرا في قضية قرار منع بيع وخياطة النقاب؛ حيث استندت السلطات في شططها هذا إلى أن هذا الزِّي مشرقي يخالف الزِّي المغربي!!  وسنحاول أن نفهم هذا التدخل السافر للسلطات في لباس المغربيات، من خلال مقاربتنا لسلوكها المتذبذب بين حربها على النقاب كرمز للتدين، وتشجيعها لثقافة “الميني جيب” والدجينز كرمز للتحرر وعلامة على الليبرالية والتفتح اللامشروط.

بغض النظر هل هذا اللباس مغربي أم أجنبي، نطرح الأسئلة التي نعتبرها الأهم ثم ندلف إلى مناقشة الموضوع:

·         هل ينص القانون المغربي على نوع من اللباس بالنسبة للمرأة؟؟

·         وعلى أي أساس استندت السلطات في اتخاذها هذا القرار؟؟

·         ولماذا يأتي هذا القرار بعد سلسلة من المطالب العلمانية بمنعه؟؟

·         ألا يعتبر هذا الإجراء مساسا بحرية الباعة في صنع وترويج بضاعة لا يمنعها القانون؟؟

·         وهل هذه مقدمة لحظر ارتداء النقاب على غرار فرنسا وبعض دول الغرب العلماني؟؟

·         وهل يدخل هذا الإجراء في الحملة التي تشنها بعض الأحزاب العلمانية المقربة من السلطة والرامية حسب تصريح قادتها إلى محاربة أسلمة المجتمع المغربي؟؟

هذه كلها أسئلة مشروعة تدق الباب بقوة تنبيها على خطورة هذا الإجراء المستفز، خصوصا في غياب تفسير معقول له من الوزارة التي اتخذته.

فإذا كان المغرب دولة ليبرالية كما أسلفنا، لا تنضبط بمقتضيات المذهب المالكي لا على المستوى الاقتصادي ولا السياسي ولا الاجتماعي ولا الدبلوماسي، فكيف يمكن أن نفهم هكذا قرارات تتخذها السلطات المغربية؟؟؟ كيف يمكن أن نقرأ قرارات السلطات التي يظهر من تعميمها أنها قرارات اتخذت على مستوى وزارة الداخلية فما فوق؟؟ كيف نفهم تخصيص هذا اللباس وحده بالمنع؟؟ خصوصا وأن القوانين المغربية لا تفرض شروطا أو نوعا من اللباس، بل مجموع نصوصها يدل على ليبرالية تضاهي النظم الغربية، فهي تقنن الربا والخمور والقمار كما أسلفنا، وتنظم الشواطئ حيث العري الفاحش، وكذا الملاهي الليلية العامرة صيفا وشتاء بالرقص والخمور والاختلاط والتهتك.

وحتى الناحية العملية المتواطَئ عليها تحكمها الليبرالية بقوة، حيث نجد أن سياحة المغرب متهمة دوليا بأنها سياحة جنسية، وموضوع الشواذ أخذ التساهل فيه منحى خطيرا، وكذا التنصير لم تحرك أي مسطرة في حق منصرين معروفين وبُلّغ عنهم.

وفيما يخص السكن تحت سقف واحد والذي يعتبر من أخص النظم التي يعرفها القانون العلماني في بلاد الغرب، نجده من الناحية العملية لا التشريعية موجودا في المغرب، فبعض النساء يسكن تحت سقف واحد مع رجال لا يحلون لهن، بل تتبجح العلمانيات على صفحات الجرائد بأنهن يسكن مع عشقائهن تحت سقف واحد، وليست ابتسام لشكر نشازا في هذا الموضوع.

لكن العصي على الفهم أن نرى هذه الليبرالية كلها تختفي عندما يتعلق الأمر بالشريحة العريضة التي يبدو على مظهرها الخارجي سمات التدين والتمسك بالمذهب المالكي وليس بالمذهب الوهابي.

فالمذهب المالكي “يتشدد” في مجالات العفة وتصريف الشهوة، فلا يبيح اختلاطا ولا تبرجا شأنه في ذلك شأن مذاهب أهل السنة الأربعة ويضاف إليها مذهب الظاهرية.

فهل اتسعت الليبرالية “للميني جيب” بل للميكرو-جيب” وضاقت على النقاب بدعوى أنه مشرقي؟؟ وهل اتسعت ليبراليتنا مع المذاهب الفقهية حتى قبلت الدولة استيراد بعض أحكام المذهب الحنفي، وضربت عرض الحائط بالمذهب المالكي وألغت شرط الولي من عقد الزواج، ثم تتشدد وتتدخل في النقاب رغم أنه من حيث الأوصاف الشرعية مماثل لصفة الحجاب التي كان معمولا بها إلى غاية منتصف القرن العشرين ولا يزال قويا في بعض مناطق المغرب إلى الآن.

ليبرالية دولتنا السعيدة تتسع لسراويل “الكلون” الدجينز التي تصف تفاصيل العورة المغلظة، وتزيد في الاتساع لتشمل السترات “الديكولتي” التي توشك أثداء النساء أن تتدلى منها، ثم تضيق على خمار العفة ونقاب الحشمة

تتسع ليبراليتنا حتى تجمد البنود التي تنص على حفظ الحياء العام، ونترك الشباب والشابات على طول كورنيش عين الذياب في مراقص الليل يموج بعضهم في بعضا، ليقذفوا كل سنة بمئات الضحايا من الأطفال الذين يسميهم العلمانيون بالطبيعيين، وهم في الحقيقة ضحايا العلمانية والليبرالية، ثم تضيق ليبراليتنا فجأة عن قبول منتقبة حاولت التأسي بنساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وبنات الصحابة رضوان الله عليهم جميعا.

لماذا تضطهد المنتقبات ويضيَّق على لباسهن لأنهن فقط يحاولن استرداد لباسهن الشرعي، الذي سلبته من أمهاتهن السياسة العلمانية التي انتهجها الجنرال اليوطي ومن سار على هديه من العلمانيين بعد الاستقلال.

تاريخ الاضافة: 23/01/2017
طباعة