موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || هل تشهد تونس ثورة جديدة؟!
اسم المقالة : هل تشهد تونس ثورة جديدة؟!
كاتب المقالة : صحيفة: ميدل إيست مونيتو

خلال تقرير قدمته منظمة العفو الدولية إلى هيئة الأمم المتحدة سلّطت المنظمة الحقوقية الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في تونس ما بعد الثورة, وتضمّن التقرير انتهاكات مروعة قامت بها السلطات التونسية بحق المواطنين خلال السنوات التي تلت الثورة التونسية التي اندلعت في السابع عشر من ديسمبر من العام 2010, وحذر تقرير منظمة العفو الدولية من تصاعُد عمليات التعذيب الممنهجة ضد المعتقلين بسجون النظام التونسي والتي تعتبر علامة مميزة لأنظمة الحكم الاستبدادية التي كانت تحكم الدول العربية منذ عشرات السنين.

     وقد شمل تقرير "العفو الدولية" العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في تونس عقب ثورة 2010 منها التعذيب البدني والاغتصاب والتهديد به, وكذا اعتماد سياسية قمعية موحدة تجاه المعتقلين تعيد للأذهان ما فعلته القوات الأمريكية بمعتقلي سجن "ابو غريب" عقب احتلال العراق في العام 2003.

     والمشكلة حقاً تكمن في رد فعل النظام التونسي الحالي على تلك الانتهاكات التي أصبحت لا تخفى على أحد والتي طالت المواطنون العاديون فضلاً عن النشطاء في مجال السياسة, كما أن العديد من الحوادث الأخيرة بتونس أثبتت أن القانون لا يُطبّق على العديد من رؤوس الفساد ومعتادي الإجرام الذين يحظون بشهرة واسعة.

     والحقيقة أن مسألة التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان أصبحت سلوكاً مميزاً ومتنوِعاً من دولة عربية إلى أخرى, وانحرفت الأجهزة الأمنية العربية عن هدفها المفترض أنه حماية الشعوب وتوفير الأمن لها إلى هدف أخر يرمي إلى إسكات الأصوات المُعارِضة عبر استخدام أساليب التعذيب الممنهجة مما جعل الكثيرين يقولون أن الأنظمة العربية باتت تمارس "إرهاب الدولة" بحق الشعوب.

     وإذا عدنا إلى الرئيس السابق "زين العابدين بن علي" فسنجد أنه كان يعتبر المندوب السامي للاستعمار على الأراضي التونسية وهو بذلك لا يختلف كثيراً عن سلفه "الحبيب بورقيبة", فقد أصبحت تونس خلال فترة حكم "بن علي" و"بورقيبة" دولة تحكم مواطنيها بالقبضة الحديدية حيث اعتمدت أجهزة الأمن سياسة التعذيب بحق المواطنين وانتشر ما يعرف ب" خلايا التعذيب" على الأراضي التونسية من الشمال إلى الجنوب.

     والحقيقة أن المواطن التونسي طالما عانى من التهميش على يد الأنظمة التي حكمت البلاد كما أن المواطن الذي خرج في ثورة 2010 مُطالِباً باحترام حقوق الإنسان التونسي ومندداً بالانتهاكات التي يرتكبها النظام بحق الشعب لا زال يشهد تلك الانتهاكات التي كانت سبباً مباشراً في إشعال الثورة التونسية.

     ولا يخفى على أحد أن العديد من الظواهر السلبية التي اجتاحت المجتمع التونسي مثل ميل الشباب إلى الهرب لأوربا وتحوُل بعضهم للتطرُف وإقدام البعض الآخر على الانتحار تعتبر جميعها ردة فعل على امتهان كرامة الإنسان التونسي بفعل السلطة الحاكمة, وقد تعلمنا من التاريخ أن الانتهاكات التي ترتكبها الأنظمة الحاكمة بحق مواطنيها تعتبر البيئة الأمثل لتغذية روح الانتقام لدى الشعب ومن ثم تنفجر الأوضاع وتخرج عن السيطرة ولدينا عدة أمثلة في المنطقة العربية من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان.

     والواقع أن صمت أجهزة الإعلام العربية عامة والتونسية خاصة عن الانتهاكات التي تمارسها الأنظمة بحق الشعوب العربية قد فاق الحدود, فتلك الأجهزة لا تتحدث أبدأً بمنطق المُدافِع عن حقوق المواطن وهو دورها الأصلي وإنما أصبحت أداة لتنفيذ سياسات الأنظمة العربية عبر التعتيم على الانتهاكات التي تشهدها المعتقلات والتي زادت بشكل مبالغ فيه على الأراضي التونسية في أعقاب ثورة من المفترض أنها قامت رداً على تلك الانتهاكات.

     ومسألة حقوق الإنسان في الدول المتقدمة تعتبر خطاً أحمر لا يمكن المساس به إلا في الظروف الاستثنائية, لكن للأسف الأمر يختلف كثيراً في المنطقة العربية حيث دأبت الأنظمة المتعاقبة على ممارسة سياسة التعذيب والانتهاكات حتى أصبحت تلك السياسات جزء لا ينفصل عن النسيج السياسي والمجتمعي للدول العربية, والغريب حقاً أن تلك الانتهاكات تحدث في دول يعتبر الإسلام ديانتها الرسمية وهو الدين الذي يُنادي باحترام حقوق الإنسان وإعلاء قيمة الفرد.

     ويقول مراقبون أن الأوضاع الحالية في تونس تنبئ بتغيير قادم على يد الشعب الذي بات التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان من العلامات المميزة له في تونس ما بعد الثورة, ويجب على النظام التونسي خاصة والأنظمة العربية عامة أن تكون على يقين من أن تصاعُد الانتهاكات بحق الشعوب العربية لن يُثني تلك الشعوب عن المطالبة بالحرية والكرامة الإنسانية.

 رابط المقال:

https://www.middleeastmonitor.com/20160426-torture-in-tunisia-and-the-return-of-the-conditions-for-a-revolution    

تاريخ الاضافة: 01/05/2016
طباعة