موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || (( الوصايا في أحكام الضحايا )) والرد على سعد الهلالي
اسم المقالة : (( الوصايا في أحكام الضحايا )) والرد على سعد الهلالي
كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعـــد:

فإن شعيرة الأضحية عبادة عظيمة شرعها المولى تبارك وتعالى لحكمٍ بليغة منها إحياء سنة إبراهيم الخليل عليه السلام، عندما أمره أن يذبح ولده إسماعيل عليه السلام، ثم فداه بكبش عظيم فذبحه عنه. ومن نعمة الله عزوجل أن كثيراً من المسلمين قد حافظ على هذه الشعيرة، والحمد لله رب العالمين. ثم يخرج علينا ضال مضل ينشر لنا دين جديد يقول بأنه يجوز أن تكون الأضحية من الطيور وهذا مذهب الظاهرية، ونترك سنة سيد البرية وإجماع المسلمين. ولا حول ولا قوة إلا بالله

أولاً: تعريف الضحايا

لغة: الأضحية اسم لما يضحى به، أو لما يذبح أيام عيد الأضحى.

اصطلاحا: هي ذبح حيوان مخصوص بنية القربة في وقت مخصوص. أو ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى تقرباً إلى الله عز وجل. وهي شعيرة من شعائر الإسلام بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

دليل الكتاب

قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاْنعامِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) الحج:34

وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَأيَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ) الأنعام: 162

وقال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر: 2

وقال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ) الحج: 37

دليل السنة

عن أنس بن مالك قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما». متفق عليه

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان يضحي بكبشين . وقال أنس : وأنا أضحي بكبشين) رواه البخاري والنسائي

عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين». رواه البخاري

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يضحي بكبش أقرن فحيل ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد) رواه مسلم

دليل الإجماع

أجمع أهل العلماء على مشروعيتها، حكاه ابن قدامة في المغني.

ثانيا: حكم الضحايا

اختلف العلماء في الأضحية على قولين هل هي واجبة أم هي سنة؟

القول الأول: ذهب بالوجوب أبو حنيفة على المقيمين في الأمصار الموسرين، ولا تجب على المسافرين، وروي عن مالك مثل قول أبي حنيفة، وهو قول الأوزاعي. واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من وجد سَعَةً لأن يضحي فلم يضحِ فلا يحضر مصلانا " أخرجه ابن ماجه وأحمد. وكذلك فعله والاقتداء به.

القول الثاني: ذهب الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة،ورخص مالك للحاج في تركها بمنى. ولم يفرق الشافعي في ذلك بين الحاج وغيره.

واستدلوا بالاحاديث التالية:

1-حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا" مسلم. وقالوا هذا دليل على أن التضحية ليست بواجبة ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( وأراد ) ، فجعله مفوضاً إلى إرادته ، والواجب لا يعلق على الإرادة.

2- استدلوا بما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث هن عليَّ فرائض ولكم تطوع ، النحر والوتر وركعتا الضحى ) رواه أحمد و البيهقي

قلت: الحديث ضعيف كما قال ابن حجر والنووي.

3- واستدلوا بما جاء عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما [كانا لا يضحيان كراهية أن يُرَى أنها واجبة ] وما جاء عن ابن عباس وأبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما في ترك الأضحية.

قلت: قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى : وما نقل عن بعض الصحابة من أنه لم يضح بل اشترى لحما فقد تكون مسألة نزاع كما تنازعوا في وجوب العمرة ، وقد يكون من لم يضح لم يكن له سعة في ذلك العام وأراد بذلك توبيخ أهل المباهاة الذين يفعلونها لغير الله ، أو أن يكون قصد بتركها ذلك العام توبيخهم فقد ترك الواجب لمصلحة راجحة.
وقال الكاساني :وأما حديث سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما فيحتمل أنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين لعدم غناهما لما كان لا يفضل رزقهما الذي كان في بيت المال عن كفايتهما والغنى شرط الوجوب في هذا النوع.

ثالثا: أنواع الضحايا

الأول: الجنس

أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام، واختلفوا في الأفضل من ذلك، فذهب مالك، إلى الكباش ثم البقر ثم الإبل، بعكس الهدايا. وذهب الشافعي إلى عكس ما ذهب إليه مالك .

الثاني: الصفات

أجمع العلماء على اجتناب العرجاء البين عرجها في الضحايا والمريضة البين مرضها والعجفاء(الضعيفة). لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية : لا تجزئ ـ : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسير التي لا تنقي )) . رواه الخمسة

وكذلك أجمعوا على أن ما كان من هذه الأربع خفيقا فلا تأثير له في منع الإجزاء.

واختلفوا في موضعين:

الأول: فيما كان من العيوب أشد من هذه المنصوص عليها مثل العمى وكسر الساق. فذهب الجمهور على أنها تمنع من الإجزاء، وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا تمنع الإجزاء ولا يتجنب بالجملة أكثر من هذه العيوب التي وقع النص عليها.

الثاني: ما كان من العيوب في سائر الأعضاء مفيداً للنقص على نحو إفادة هذه العيوب المنصوص عليها له فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقول:

أحدها: أنها تمنع الإجزاء كمنع المنصوص عليها، وهو المعروف من مذهب مالك

القول الثاني: أنها لا تمنع الإجزاء وإن كان يستحب اجتنابها، وبه قال ابن القصار وابن الجلاب وجماعة من البغداديين من أصحاب مالك.

والقول الثالث: أنها لا تمنع الإجزاء ولا يستحب تجنبها، وهو قول أهل الظاهر.

الثالث: السن المشترط

أجمعوا على أنه لا يجوز الجذع من المعز بل الثني فيما فوقه، فعن جابر قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ) رواه مسلم

ولقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بردة لما أمره بالإعادة: (يجزيك، ولا يجزي جذع عن أحد غيرك) رواه البخاري . واختلفوا في الجذع من الضان، فالجمهور على جوازه،ولكن حمله على أن هذا على سبيل الأفضلية وقالوا : تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها ، واستدلوا بحديث أم بلال ـ امرأة من أسلم ـ عن أبيها هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يجوز الجذع من الضأن ضحية )) ، رواه أحمد وابن ماجه

وقال قوم: بل الثني من الضأن.

الرابع: العدد

وهي عدد ما يجزي من الضحايا عن المضحين فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال مالك: يجوز أن يذبح الرجل الكبش او البقرة أو البدنة مضحيا عن نفسه وعن أهل بيته الذي تلزمه نفقتهم بالشرع، وأجاز الشافعي وأبو حنيفة وجماعة أن ينحر الرجل البدنة عن سبع، وكذلك البقرة مضحياً او مهدياً، وأجمعوا على أن الكبش لا يجزي إلا عن واحد، إلا ما رواه مالك من أنه يجزي أن يذبحه الرجل عن نفسه وعن أهل بيته لا على جهة الشركة، لما روي عن عائشة أنها قالت: (كنا بمنى فدُخِل علينا بلحم بقر، فقلنا ما هو؟ فقالوا: ضحة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) رواه أبو داود وابن ماجه. وخالفه أبو حنيفة والثوري على وجه الكراهة لا على وجه الإجزاء. انتهي

رابعاً: أوقات الذبح

ويتعلق بالذبح المختص بالضحايا النظر في الوقت والذبح، أما الوقت فإنهم اختلفوا فيه في ثلاثة مواضع: في ابتدائه، وفي انتهائه، وفي الليالي المتخلله له.

-فأما في ابتدائه: اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة لا يجوز لثبوت قوله عليه الصلاة والسلام: (من ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم)رواه البخاري ومسلم الترمذي وأبو داود والنسائي.

وحديث أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من ذبح قبل الصلاة ، فإنما ذبح لنفسه ، ومن ذبح بعد الصلاة ، فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين) رواه البخاري

وأمره بالإعادة لمن ذبح قبل الصلاة وقوله: (اول ما نبدأ به في يومنا هذا هو أن نصلي ثم ننحر) التخريج السابق

وقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر: 2. إلى غير ذلك من الآثار الثابتة التي في هذا المعنى.

واختلفوا فيمن ذبح قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة. فذهب مالك إلى أنه لا يجوز لأحد ذبح أضحيته قبل ذبح الإمام. وقال أبو حنيفة والثوري يجوز الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام.

-وأما آخر زمان الذبح: قال مالك أخر اليوم الثالث من أيام النحر وذلك مغيب الشمس، فالذبح عنده هو الأيام المعلومات، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجماعة.

وقال الشافعي والأوزاعي: الأضحى أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده.

وروي عن جماعة أنهم قالوا: الأضحى يوم واحد وهو يوم النحر خاصة، وقد قيل الضبح إلى آخر يوم من ذي الحجة وهو شاذا لا دليل عليه، وكل هذه الأقاويل مروية عن السلف.

-أما الليالي المتخلله: ذهب مالك والمشهور عنه إلى أنه لا يجوز في ليالي أيام التشريق ولا النحر. وذهب الشافعي وجماعة إلى جواز ذلك.

خامساً: أحكام لحوم الضحايا

اتفقوا على أن المضحي مأمور أن يأكل من لحم أضحيته ويتصدق لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الحج: 28. وقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الحج: 36. ولقوله صلى الله عليه وسلم في الضحايا: (كلوا وتصدقوا وادخروا) رواه البخاري ومسلم.

واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً: ثلثاً للادخار، وثلثاً للصدقة، وثلثاً للأكل .

بيع جلود الضحايا

لا يجوز للمضحي أن يبيع جلد أضحيته؛ لأنها بالذبح تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعيّن لله لم يجز أخذ العوض عنه، ولهذا لا يعطى الجزار منها شيئا على سبيل الأجر،. بل يجوز التصدق به.
فعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا)رواه البخاري ومسلم.

سادساً: ما يفعله المضحي

من أراد أن يضحي فعليه أن يمسك عن شعره وأظفاره وبشرته من بداية دخول العشر، والمرأة كذلك إذا أردت أن تضحي عن نفسها وعن أهل بيتها إن لم يكن هناك ولي لها، لحديث أم سلمة: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِه)رواه مسلم.

سابعاً: الضحايا عن الأموات

لايجوز تخصيص الميت بالأضحية فليس هذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلّم ولم يرد عنه بأنه ضحى عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضحي عن أولاده الذين ماتوا في حياته، ولا عن زوجته خديجة ولا عن عمه حمزة ، ولم يرد عن أصحابه في عهده أو من بعده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.

ولكن له أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، أو أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها وأصل هذا قوله تعالى: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.أو أن يضحي عن الأموات تبرعاً فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه.

ثامناً: اجتماع الضحايا مع العقيقة والنذر
إذا اجتمعت الأضحية مع العقيقة فقد اختلف العلماء في إجزاء إحداهما عن الأخرى، وأجازه الحنابلة.ولا يجمع بين النذر والأضحية؛ لأن كلاً منهما مستقل عن الآخر، فالنذر ينزل منزلة الفرض لأن الإنسان ألزم به نفسه ولم يلزمه الله به.

هذا. والله أعلم

وأصلي وأسلم على النبي الأكرم

وآله وصحبه وسلم

تاريخ الاضافة: 22/09/2015
طباعة