موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || سقوط غرناطة... وغويتسولو
اسم المقالة : سقوط غرناطة... وغويتسولو
كاتب المقالة : معن البياري

هناك، في دارته في زنقةٍ في مراكش، قبل أزيد من عشرين عاماً، حدّثني الكاتب، الكبير حقاً، خوان غويتسولو (84 عاماً)، عن موطنه، إسبانيا، بلداً أوروبياً وغربياً، لكن "غربيّته هجينة"، بالنظر إلى ماضيه الذي يختلف عن ماضي فرنسا أو إيطاليا أو إنكلترا، فقد عرف، في عدة قرون، حضارةً عربيةً إسلامية، تركت أثرها في التاريخ الثقافي الإسلامي. كما أن إسبانيا تأثرت بوضعها التاريخي الخاص، وبوضع تاريخيٍّ نتج من سياسة الملوك الكاثوليكيين وطردهم مسلمين ويهوداً كثيرين. وحدّثني غويتسولو، في حوار نشرتُ أجزاء منه في صحيفتين عربيتين، أن الإسبان، نتيجة تلك الظروف، يلاحظون أن الأوروبيين ينظرون إليهم هامشاً، ما أحدث لديهم عقدةً، فصاروا يطلبون أن يصبحوا أوروبيين حقاً، ما جعلهم يُؤثرون نسيان الماضي المشترك مع العرب، و"هذا غير معقول إطلاقاً". أستدعي غويتسولو، هنا، بمناسبة احتفالات مدينة غرناطة، أول من أمس الجمعة، بعيدها الوطني، في ذكرى "استعادة" المدينة بقيادة الملكة إيزابيل وزوجها، قبل 523 عاماً، وهي الواقعة الكبرى في تاريخ الأمة الإسلامية، لمّا سلم آخر ملوك الأندلس، أبو عبد الله الصغير، مفاتيح المدينة، وغادرها، فأنهى ثمانية قرون من الحكم الإسلامي لتلك البلاد. أستدعي غويتسولو، والفرح في احتفال الإسبان في غرناطة عريض، في العيد الذي تقرر قبل خمسة عشر عاماً، مع اتساع حضور اليمين العنصري، في مناهضته الأجانب، في أوروبا. في هذه الأثناء، أستدعي "خوان"، كما يخاطبه ساكنة مراكش، وهو الذي انشغل كثيراً بما سمّاه صديقنا كاظم جهاد، "تصدع الهوية الإسبانية". أستدعيه، وفي البال، أنه دعا "رمزياً" إلى غزوٍ عربيٍّ إسلامي جديد لإسبانيا، لإطاحة دعائمها الفرانكوية، بحسب قراءة كاظم رواية "الكونت دي خوليان"، والتي نشرها غويتسولو في 1970، (أظنها لم تترجم إلى العربية). أحسبه استطاب تلك القراءة، كما في قوله لي إن ما فعله في تلك الرواية، "هدم الأساطير التي ابتدعتها إسبانيا الكاثوليكية ضد العرب والإسلام، فقام بغزوٍ ضد هذا الواقع يقضي على تلك الأساطير". لم يصن أبو عبد الله الصغير مُلكاً أضاعه في غرناطة، على ما قالت له والدته، عند خروجه باكياً من مملكته التي كانت، ثم صار الأسى إياه، عن الأندلس التي راحت، ثم صار ذلك الأسى نافلاً، أزاحت مطرحه من ذاكرة الأمة أكثر من أندلسٍ توالت ضياعاً، وصار زمن ملوك الطوائف هناك استعارةً تقليديةً في النص الأدبي العربي الحديث، وموضوعاً في الدراما التلفزيونية العربية، كان وليد سيف الأكثر إبداعاً فيه، في ثنائيةٍ مهمة مع المخرج حاتم علي. لم يكن غويتسولو معنياً بأسانا هذا وذاك، بل التفت إلى فلسطين وناسِها ومخيماتها، وإلى الجزائر المريضة، وإلى البوسنة والشيشان، وإلى جروح عديدة في راهن الأمتين، العربية والإسلامية، وأنجز عن هذه المطارح كتبا وريبورتاجات مهمة. وكان فريد الرؤية في جهره بموقف واضح من جرائم بشار الأسد في سورية. إنه غويتسولو الذي اعتزَّ بنيله جائزة محمود درويش، والذي رفض جائزة معمر القذافي، لأنه لا يليق به أن يقبل اقتران اسمه باسم ديكتاتور سخيف، رضي جابر عصفور بأن يكون الدوبلير فأخذ الجائزة، وقال، بعد سقوط القذافي، إنه سيعيد قيمتها إلى الشعب الليبي، ولا نظنّه فعل. طيّب من الإسبان منحهم مواطنهم، خوان غويتسولو، أخيراً، جائزة سرفانتيس الأدبية، "لعمق تفكيره وابتكاراته اللغوية، ولجهوده في التقريب بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ودعوته للحوار بين الثقافات". وطيّب أن نطالع، نحن العرب، هذا المثقف العالمي الكبير، ليس فقط لأنه يناصر قضايانا، بل أيضاً لأنه داعية شجاع، في الراهن الفكري الأوروبي، إلى الانفتاح على ثقافات الآخرين، ومنها ثقافتنا وحضارتنا العربية والإسلامية، ومنجزها في ثمانية قرون في الأندلس باهرٌ وكبير، وإنْ يحتفي أهل غرناطة، الآن، بوداعها.

تاريخ الاضافة: 05/01/2015
طباعة