موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || رئيس البرلمان الدنماركي "داعش" نتيجة احتلال العراق
اسم الخبر : رئيس البرلمان الدنماركي "داعش" نتيجة احتلال العراق


لا يتردد رئيس البرلمان الدنماركي، موينز لوكاتوفت، في حواره مع "العربي الجديد" في تقديم رؤية متكاملة لأسباب تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، موضحاً أن الأمر مرتبط بتناقضات سابقة منذ أيام الاحتلال الأميركي الذي لم ينجح في إقامة جسور بين شعب العراق، ومشيراً إلى أن ذلك يأتي كنتيجة لسيسات الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي لم يكن لديها أيّ برنامج لكيفية خروج العراق نحو المستقبل.
وبينما يشير إلى أن الحملة على التنظيم ستتطور في العراق وسورية، يؤكد أنها لن تخدم نظام الرئيس السوري بشار الأسد بل ستقوضه. مواقف لوكاتوفت الواضحة تنسحب أيضاً على القضية الفلسطينية وتنديده بالاحتلال.

وفيما يلي نص الحوار كاملاً:

*كيف تنظرون إلى مشاركة الدنمارك في الحرب ضدّ "داعش" إلى جانب الولايات المتحدة، ألا يعيدنا الأمر إلى نفس الأخطاء المرتكبة في العراق في 2003، وخصوصاً أنك عارضتها؟

دعني أقول إنه هناك نقاط عدة في الأمر، الأولى تتمثل في أن الصراع الحالي ليس فيه نقاط تشابه مع الحرب ضد صدام حسين في 2003، وأنا صوتُ حينها ضد دخول الدنمارك في التحالف لأنني أولاً لم أكن مقتنعاً بالأسباب المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والتي ظهرت لاحقاً بأنها أسباب وأسس خاطئة، وأيضاً لأنني كنت أرى بأنه ليس هناك أي برنامج لكيفية صنع السلام والتقدم نحو الأمام في العراق بعد سقوط صدام وأخذ السلطة بالقوة العسكرية. هذا القلق أثبت صحته بما حصل لاحقاً في العراق.

*إذن أنت تحمل الغرب مسؤوليّة ما يحصل؟

نعم، إن تقدم "داعش" في العراق مرتبط بتناقضات لم ينجح الاحتلال في حلها عبر إقامة جسور بين شعب العراق، وهذه إحدى نتائج سياسات الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي لم يكن لديها أي برنامج لكيفية خروج العراق نحو المستقبل.

تعويل الغرب والولايات المتحدة على سلطة طائفية ودعم (رئيس الوزراء السابق) نوري المالكي في السنوات الأخيرة هي أحد الأسباب الأخرى. هذا النزاع الحاصل الآن أدى إلى أن العالم كله يرى مصلحة مشتركة في إيقاف بشاعات ما يُسمى "الدولة الإسلامية" أو أي تسمية تطلق عليها. نعم قد يكون الناس محقون ومصيبون بالقول إنه كان على الجميع إدراك خطورة ترك الأوضاع في سورية تتفاقم وتتقدم فيه هذه الحركة. لكن في المقابل يجب أن نفهم بأن حصاد الخبرات السيئة في التدخلات العسكرية السابقة أنتجت ما نراه في أفغانستان والعراق.

كان هناك تحفظات بالتأكيد على رؤية هجوم أميركي شامل في سورية سابقاً، وشخصياً تفهمت تردد الرئيس الأميركي باراك أوباما حينها وأيضاً بسبب وقوع سورية بين طرفي قوى كبرى، فحين لم يكن بالإمكان أن تكون روسيا راضية عن حل ما، أو حتى ضربات في سورية، فلم يكن بالإمكان تمرير قرار في مجلس الأمن. لقد كانت إيران أيضاً متدخلة وهناك تشابك مصالح في سورية.

*لكنّ برأيكم كيف ستتطور هذه الحملة في العراق وسوريّة، وخصوصاً أنّ البعض يشكك في أنها لفائدة النظام السوريّ؟

الحملة الآن على "الدولة الإسلامية" ستتطور في العراق وسورية، وأصبح من الضروري الآن غربلة قوى المعارضة المعتدلة ودعمها حتى لا يقوم نظام الأسد باستخدام قواته للعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة معتبراً أن ضرب هذا التنظيم هو تشجيع لنظامه.

إن مهمة الأميركيين وكل التحالف هي إيجاد حلّ لهذا الأمر، وسيكون من الضروري أن تلعب تركيا دوراً وتتدخل بطريقة أو أخرى في ما يجري الاعداد له. وما سيقرر الأمر كله في الواقع معركة حلب، فالقوة المعتدلة التي نريد دعمها في سورية لا يجب أن تصبح محشورة بين فكي كماشة "الدولة الإسلامية" من جهة وقوات الأسد من جهة ثانية.

لهذا لا يمكنني تخيل أو تصور أن الأميركيين والعالم العربي والأتراك سيجلسون متفرجين إذا ما حاول الأسد التقدم في وجه السوريين المعتدلين أو هزيمتهم مستغلاً ضربات التحالف لتنظيم "الدولة الإسلامية" أو حتى مجرد استنتاج ذلك من قبله.

بالتأكيد المعارضة السورية ستتنفس أكثر حين يتم اضعاف هذا التنظيم، لكن سيكون من الواجب القيام بأشياء أخرى تجاه المعارضة المعتدلة حتى لا يتحول الأمر برمته إلى استغلال الأسد له. كل مسألة التحالف لن تخدم الأسد بشيء بل على العكس ستقوض قدراته قريباً.

*في ما يتعلق بالقضية الفلسطينيّة، كيف تفسرون موقف رئيسة الوزراء الدنماركيّة هيلي تورنينغ شميت من العدوان الإسرائيليّ على غزة، وامتناعها عن التوقيع على وثيقة الأحزاب الاشتراكيّة الديمقراطيّة في دول الشمال؟

ليس هناك شك بـأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الدنمارك لديه نفس مواقف الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في دول الشمال التي وقعت على وثيقة إدانة إسرائيل في حربها على غزة، ورئيسة الوزراء الدنماركية كان لديها تحفظات عملية لأنها أرادت التقيد وإدراج موقف الاتحاد الأوروبي في المجال.

ومن ناحية ثانية ما من شك أيضاً أن الرأي العام في صفوف الشعب الدنماركي قد تغير في اتجاه التعاطف مع الفلسطينيين، فتلك الحرب كانت عنيفة وضحاياها من المدنيين بادية، ولا أحد يفهم كيف يمكن لإسرائيل أن تتخيل العيش بسلام وأمن مع هذه الأجيال في المنطقة العربية من دون أن تتنازل للشعب الفلسطيني بقبول حل الدولتين ووقف الاستيطان ورفع حصار غزة بحق 1.7 مليون إنسان، والذي امتد لسنوات وهو الأساس الذي فجّر الصراع المسلّح الأخير.

في رأيي ليس فقط حكومة الدنمارك بل كل الحكومات الأوروبية عليها أن تقول، وبشكل واضح وثابت، إن شروط السلام هي التقدم في اتجاه حلّ الدولتين ووقف الاستيطان ورفع الحصار وتأمين وضع إسرائيل، وإن السياسات الإسرائيلية في حصار غزة وسجن البشر لسنوات غير مقبولة.

*عملياً، كيف يمكن إجبار إسرائيل على القيام بذلك؟

هذا ما قاله أخيراً وزير خارجيتنا مارتن ليدغوورد عن ضرورة الضغط على إسرائيل، وبالطبع ليس كافياً أن تقوم الدنمارك لوحدها بمثل هذه الخطوة، بل على الاتحاد الأوروبي مجتمعاً أن يكون واضحاً في مطالبة إسرائيل بوقف العدوان المتكرر ورفع الحصار، وإذا لم يحصل ذلك فستكون عواقب كثيرة هنالك.

ربما يكون هذا غير كافٍ لتغيير موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولكن برأيي هذا مهم وشرط أساسي ويتطلب تشديد المواصلة لإيجاد حل يقوم على ما ذكرته قرارات الأمم المتحدة المتعددة في هذا الشأن. تلك قرارات قبلت بها الدول العربية بعد المبادرة السعودية في السابق. إن كل تقدم في هذه القضية مشروط ومرتبط ليس فقط بما تقوم به أوروبا ولكن أيضاً بما تقدم عليه الولايات المتحدة بحيث يجري ضغط جماعي على إسرائيل.

نحن نعرف وبكل أسف أن صعوبة الأمر تأتي من انعكاس السياسة الداخلية الأميركية على الأمر، وأظن أنه أمر مثير أن تستمع إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري حين خرج عن مواقفه الرسمية أثناء حرب غزة، وذلك في الفاصل بين جزئي حلقة حوار تلفزيوني عندما قال إنه عليهم (أي الإسرائيليين) التوقف الآن.

هذا موقف يدل على ورطة الإدارة الأميركية في العلاقة مع الكونجرس ودعمه الكامل للموقف الإسرائيلي. وهو أمر يصعب الضغط على إسرائيل لأجل فرض حل واقعي من أجل السلام في المستقبل.

*أنتم وغيركم ممن ينتقدون سياسات الاحتلال متهمون بمعاداة السامية، هل هذه التهم لإسكات الأصوات المنتقدة؟

هناك البعض في الحكومة الإسرائيلية ممن يحاولون أن يجعلوا من كل انتقاد موجّه لحكومتهم يظهر وكأنه معاداة للسامية. لم أتعرض لهذه الاتهامات من جهات محددة ومعرفة في الحكومة الإسرائيلية، لكن حين تصدر بهذا الشكل فهي ضد المنطق، فأنا لي أصدقاء من اليهود، ولست ضد بقاء دولة إسرائيل لكن بشرط أن يعيش الفلسطينيون حياة جيدة في دولتهم الخاصة بهم.

شيء غريب وعجيب أن يتم مرّة إثر مرّة وصف الناس بأنهم معادون للسامية لمجرد انتقاد سياسات إسرائيل. لنتذكر جيداً ما تعرض له القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون في تقريره عن حرب غزة في 2009، وهو أيضاً تم التشنيع به وتوجيه اتهامات فظيعة له.

لا يمكنني فهم العقلية اليمينية في إسرائيل، والتي تظن بأنه يمكن الحصول على سلام مستقبلي في هذه المنطقة من العالم من دون أي تنازلات للفلسطينيين مهما كانت. هذه التصرفات لا يمكنها أن تؤدي إلا إلى نتائج غير إنسانية ومأساوية.

*لكنكم تدركون أنّه حتى في العالم العربي لم يعد هناك كثيرون يؤمنون بحلّ الدولتين؟

كل يوم وكل أسبوع وكل شهر يمرّ يتم ضرب أسس هذا الحل من خلال استمرار الاستيطان وتوسيع القائم.

إن شرط إقامة دولتين لا يتم من خلال جعل الضفة الغربية كالجبنة السويسرية وإحاطة مدن وقرى الفلسطينيين بالجدران والأسلاك الشائكة والمستوطنات. إن الإتيان بمستوطنين جدد في الأراضي المحتلة يعني أنك تضع عوائق أمام الإسرائيليين أنفسهم سياسياً بحيث يصعب في المستقبل القبول بالانسحاب وحل الدولتين.

كل سياسة الاستيطان ستجعل في النهاية هذا الحل مستحيلاً، وكل ما يجري تنفيذه الآن هو طريق نحو احتلال دائم ومتواصل وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق ويشكل مأساة حقيقية.

*هل يمكنكم التأثير عبر الاتحاد الأوروبيّ وأنتم تدركون إلى أين تسير الأمور؟

أعتقد أنه علينا التوجه مباشرة إلى الرأي العام الإسرائيلي، ونحن نعرف أيضاً أن هذا الرأي العام يتجه يميناً أكثر وحركة السلام تم اضعافها وملاحقتها، وهذه مشكلة حقيقية. الإعلام الإسرائيلي يشوّه الواقع أيضاً ويلعب دوراً في الاندفاع يميناً وإضعاف حركة السلام ومطاردة عناصرها والتضييق عليهم وطرد بعضهم من وظائفهم.

في الحقيقة أنا متشائم حول ما يمكن فعله أو حتى الدخول في حوار مع هؤلاء الممسكين بالسلطة في إسرائيل. وربما يكون السبيل هو إحداث اختراق في المجتمع الإسرائيلي ورأيه العام. أنا لست شخص معادٍ للسامية بل لي أصدقاء إسرائيليين رغم أنهم للأسف غير ممثلين للأكثرية، ومنهم أبراهام بروغ ويوسي بيلين. هؤلاء فهموا أنه من دون التنازلات في فلسطين التاريخية يصعب الوصول إلى سلام.

 

تاريخ الاضافة: 05/10/2014
طباعة