وبينما تنظر قيادة "العدالة والتنمية" إلى انتخابات الرئاسة كأمر نتائجه محسومة سلفاً، فهي لا تزال منهمكة بالتجهيز لسيناريوهات مستقبل الحكومة التركية والحزب الحاكم، وخصوصاً في ما يخص مَن سيخلف أردوغان في رئاسة الوزراء والحزب، بعد الصعود المرتقب للأخير لرئاسة قصر "شنكايا" في أنقرة.
ويبدو أن المحللين الأتراك أسقطوا اسم رئيس الجمهورية الحالي، عبد الله غول، بعد ثلاثة أشهر من النقاش حول قائمة المرشحين لخلافة أردوغان، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها أن غول "لن يكون الرجل المناسب بالنسبة لأردوغان"، إذ يحتاج الأخير، بحسب ما يستشفّ البعض من برنامجه الانتخابي وما ورد فيه من تصورات لمهام رئاسة الجمهورية، لرجل ضعيف يقبل بوصاية رئاسة الجمهورية على رئاسة الوزراء. في المقابل، فإن غول رجل قوي وأحد مؤسسي حزب "العدالة والتنمية" ولن يقبل بالتنازل عن صلاحيته الدستورية كرئيس للوزراء لصالح أردوغان. كما أن الخلاف والصدام مع أردوغان، أمر لا يمكن أن يغامر به أي من الرجلين لأنه سيهدد وحدة الحزب وقوته، في الوقت الذي وصل فيه المشروع الإسلامي المحافظ، بعد سنوات من النضال، إلى النقطة التي يستطيع فيها أن يطبّق مشروعه بشكل كامل، لذلك لا بد من رئيس حكومة يقبل بالعمل تحت سيطرة رئاسة الجمهورية. فضلاً عن ذلك، فإن مقربين من غول يشيرون إلى "تعب" الرجل من السياسة الداخلية التركية، وتفضيله تولي منصب "دولي" على رأس منظمة دولية مثلاً.
وهناك العديد من المرشحين لشغل دور رئاسة الحكومة من كوادر "العدالة والتنمية" ومنهم:
ـ نائب رئيس الوزراء، بولنت أرينش (أحد المؤسسين الثلاثة للحزب): يشير بعض الصحافيين إلى أنه قد يقبل بتسيير مهام رئيس الوزراء لحين الانتخابات العامة التي ستُجرى في العام 2015، الموعد الذي حدده أرينش لنفسه في وقت سابق، لاعتزال الحياة السياسية بعد أكثر من 40 عاماً من العمل كسياسي إسلامي محافظ. لكن الكثير من المحللين يؤكدون بأن أردوغان يحتاج إلى اسم أكثر ولاءً له وليس لأحد رفاق الدرب المحنّكين والمعروفين بأنه أحد "صقور" الحزب وشخصياته القوية.
ـ وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو: يطلق عليه ضمن صفوف العدالة والتنمية اسم "الخوجا" والتي تعني باللغة التركية "المعلّم"، حيث يجيد داود أوغلو العربية والانكليزية، وهو ذو رؤية ومعرفة عميقة خصوصاً في ما يتعلق بالعالم الإسلامي الذي يعتبره "العدالة والتنمية" المجال الحيوي لتركيا كقوة عالمية وإقليمية. يمتلك أوغلو قوة خطابية ومنطقاً مقنعاً في مخاطبة الجماهير، الأمر الذي سيكون مهماً جداً في قيادة حملة الحزب في انتخابات عام 2015.
ولكن، وبحسب مراقبين، لا يزال أردوغان بحاجة إليه في إدارة السياسة الخارجية، خصوصاً في ظل التوترات والصراعات التي تعيشها حدود تركيا الجنوبية في كل من سورية والعراق والمنطقة بشكل عام. وهناك أيضاً شكوك تتعلق بموافقة داود أوغلو أن يكون رئيس حكومة "ضعيف" في خدمة رئيس جمهورية صاحب كاريزما قوية كأردوغان. فضلاً عن ذلك، فإنّ خبرات داود أوغلو في العمل الحزبي ضئيلة ليرأس حزباً جماهيرياً يضم ملايين المنتسبين، مثل "العدالة والتنمية".
ـ وزير المواصلات والاتصالات السابق، بينالي يلدرم: يعتبر من حلقة رجال العمال الأكثر قرباً من أردوغان، ويثق به كثيراً. يُعرف عنه أنه ليس لديه أي طموح سياسي، ما يجعله جسراً جيداً بين أردوغان وطبقة رجال الأعمال، وأيضاً مرشحاً ممتازاً لتسيير أمور الحكومة حتى الانتخابات العامة المقبلة. وأحد السيناريوهات المطروحة، أن يعيّن رئيساً لمستشاري أردوغان في قصر "شنكايا" ليؤدي دور رئيس وزراء بالوكالة.
ـ نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحالي، نعمان كورتولموش: هو الرئيس السابق لحزب "صوت الشعب "، المنشق عن حزب "السعادة" الذي يعتبر وريث حزب "الرفاه" بقيادة رمز الاسلام السياسي في تركيا، نجم الدين أربكان. وكانت الكثير من الشائعات تحدثت عن أن أردوغان كان قد أغراه بخلافته في رئاسة الوزراء لحثّه على الانضمام للحزب، بعد رفضه مشاركة كل من غول وأردوغان في تأسيس "العدالة والتنمية" عام 2001.
ـ وزير العدل السابق، المتحدث باسم البرلمان التركي سابقاً، محمد علي شاهين: يشغل الآن منصب نائب رئيس "العدالة والتنمية"، والمسؤول عن القسم السياسي والحقوقي في الحزب، ما يعني بأنه الرجل الثاني بعد أردوغان. وكان قد سرق الأنظار رغم عمله كجندي مجهول بعيداً عن الأضواء والإعلام والجماهير. يُعتبر شاهين أحد أهم الرجال وراء الاستراتيجيات التي يعمل عليها ويتبعها أردوغان، إذ سيعتبر الرجل فوز أردوغان من الجولة الأولى، بمثابة الانتصار الشخصي له، لذلك يرجّح الكثير من المراقبين أن يكون شاهين أحد أقوى المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء ورئاسة الحزب خلفاً لأردوغان.