موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || (( الأحكام في من ذهب إلى السينما لمشاهدة الأفلام )) ( 2 )
اسم المقالة : (( الأحكام في من ذهب إلى السينما لمشاهدة الأفلام )) ( 2 )
كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر

وكذلك فإن المذنب والعاصي المجاهر بذنبه لم يقتصر في الذنب على فِعْله فقط؛ بل سعى إلى إشاعته ودعوة الناس إليه، وينطبق عليه قولُ الله جل وعلا : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} النور: 19، وبلا شك هذه من أعظم مخاطر المجاهرة بالمعاصي.
و هناك خطرٌ ثالثٌ من المجاهرة بالمعصية، يتمثَّل في أن المجاهر بمعصيته يدلُّ على نفسه بأنه فيه وقاحة، وقلَّة حياء، وقلبُه مريض؛ بل ميِّت، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم  كما في صحيح البخاري، أنه قال:(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ)، وهذا هو واقع هؤلاء المجاهرين؛ فإنهم حينما عُدموا الحياء، الذي هو إحدى شُعب الإيمان، أصبحت المجاهرة خُلقًا من أخلاقهم، وطبعًا من طبائعهم، وفي الحديث الذي رواه الإمام مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أصاب من هذه القاذورات شيئًا، فليستتر بستر الله).

أما حكم صاحب هذه الدور:

 فهو شريك في الآثام مع صناع هذه الأفلام ومن يقوم بالتمثيل فيها لأنه يساعدهم على نشرها، ويدخل تحت حكم قول الله عز وجل:(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) النور: 19.كما أنه يحمل آثام كل من دخل هذا المكان وشاهد تلك المعاصي وحمل الأوزار وخرج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ سَنَّ في الإِسْلام سُنةً حَسنةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وأَجْرُ منْ عَملَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ مِنْ أُجُورهِمْ شَيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً سيَّئةً كَانَ عَليه وِزْرها وَوِزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بعْده مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزارهمْ شَيْءٌ)رواه مسلم

وأما عن ماله فهو محرم خبيث سحت، لا خير فيه ولا بركة وسبب من أسباب غضب الله ومقته وعذابه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً} البقرة: 168.وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} البقرة: 172. قال الإمام المنذري رحمه الله: الترغيب في طلب الحلال والأكل منه، والترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون: 51.وقال تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾المائدة:100. وقال أبو هريرة (ثُمَّ ذَكَرَ يعني النبي عليه الصلاة والسلام الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبَّ؛ ياَ رَبَّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذيَ باِلْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك) رواه مسلم

أما عن توبة صاحب هذه الدار يدور على أمرين:

أولا: التوبة بينه وبين ربه، وهي بشروط التوبة المعروفة. ثم ما يخص ماله، وهو التخلص منه بأن يتبرع به لمصالح المسلمين من باب الاستبراء، ويقدر ما كسبه في الماضي ويخرجه إن استطاع. أما عن الدار إما يحولها لمشروع حلال، أو إذا أراد البيع لا يبعها إلا لمن يتأكد بأنه لن يستعملها في نفس الغرض، ولو تأكد له ذلك يحرم البيع. وأما عن المعدات والأجهزة إما أن يتبرع بها أو يبيعها لمن يستعملونها في الخير مثل القصور الثقافية والهيئات التعليمية التي تعرض أفلام تاريخية أو وثائقية أو تعليمة أو غير ذلك من المباحات. فإن لم يجد فعليه إتلافها لعدم استعملها في الحرام.

ثانياً: التوبة فيما يخص ما سنه من معاصي بين الناس: أن يعلن توبته على الملاءة والسماح ممن أغواهم، وعليه بكثرة الاستغفار وفعل الطاعات ودعوة الناس إلى الخير مقابل ما كان يدعوهم إلى الشر. ومن تاب تاب الله عليه.

قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر:53.

وقال تعالى: (‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏) سورة النساء‏: ‏ 48

وفي النهاية:

 أسأل الله عز وجل أن يتوب علينا وعلى العصا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل هذا المقال سبباً لمن أراد التوبة والأوبة

إلى الله عز وجل وأن يكون خالصاً لوجه الله الكريم

وأخر دعوانا أنا الحمد لله رب العالمين

تاريخ الاضافة: 14/06/2014
طباعة