موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || أزمة منتصف العمر(1)
اسم المقالة : أزمة منتصف العمر(1)
كاتب المقالة : أم عبد الرحمن

صور مختلفة للأزمة:

1.      ظهور أعراض مراهقة متأخرة:

المهندس فوزي رجل عصامي أسس مجموعة من الشركات الناجحة وهو متزوج ولديه ولدان وبنت وقد بلغ من العمر 45 سنة، كان معروف عنه جديته وصرامته واهتمامه الشديد بعمله وأسرته، ولكن لوحظ في الفترة الأخيرة تغيرات طرأت عليه حيث أصبح يسهر لوقت متأخر من الليل ويقضي بعض الليالي مع مجموعة من الأصدقاء الجدد يجلسون في شقة أحدهم أو على المقهى  وأصبح يدخن السجائر في بعض الأوقات ويتعاطي الخمور في بعض المناسبات وهو الذي كان لا يشرب في حياته غير الشاي والقهوة.

وبدأ يصبغ شعره الأبيض ويذهب إلى مركز لزراعة الشعر كي يخفي صلعته الخلفية، كما أن ألوان وموديلات ملابسه قد تغيرت بشكل رآه من حوله غير مناسب لشخصيته الجادة ولسنه، وحين كان يلمح له أحد على استحياء كان يقول: "من حقي أعيش حياتي، لقد حرمت أشياء كثيرة في شبابي، وها قد حان الوقت للاستمتاع، ويكفي ما ضاع من عمري".

وقد لاحظت زوجته هذه التغيرات مبكرًا وأصبحت تشكو من إهماله لبيته وأولاده، ثم ما لبثت أن سمعت عن علاقات متعددة لزوجها بفتيات في عمر ابنته، وأنه يشتري لهن هدايا ثمينة رغم أنه لم يحضر لها هدايا منذ تزوجها وكان يتعلل بالانشغال بالعمل، كما لاحظت استعماله ل "برفانات" من نوع خاص كان يأتي له بها أصدقائه من باريس.

باختصار لقد حدث انقلاب في حياة المهندس فوزي ولا أحد يعرف كيف تغير هذا الرجل العصامي الجاد المحترم إلى ما هو عليه، وكيف بدت عليه أعراض مراهقة متأخرة بهذا الشكل.

2.    الوقوف في مفترق الطرق وتقييم حياته:

أما الدكتور فاضل وهو أستاذ جامعي متميز في أحد فروع الطب الدقيقة فقد بدا عليه في الفترة الأخيرة أنه مهموم بشيء ما، وأنه شارد وسرحان معظم الوقت، ولم يعد حماسه للعمل كما كان، ودائمًا يردد كلمات توحي بعدم جدوى ما يفعله.

وحين يجلس مع أصدقائه المقربين كان يسفه من نجاحاته، ويتحدث كثيرًا عن أخطائه في صباه وشبابه ويتساءل عن معنى وجوده، بل وعن معنى وجود الحياة ذاتها، وينظر بحيرة وتشكك حين يكلمه أحد عن المستقبل العلمي الذي ينتظره بناء على جهوده العلمية السابقة وقد نصحه أحد أصدقائه بزيارة طبيب نفسي ففعل، ولكن الطبيب قرر أنه غير مريض ولكنه يقف في مفترق طرق ولديه العديد من التساؤلات الوجودية الملحة عن معنى وجوده وعن قيمة نجاحه وعن ماضيه وما حدث فيه وعن مستقبله وما ينتظره، باختصار هو يقف عند هذا المفترق ويجري عملية جرد للماضي والحاضر والمستقبل، ولا يجد معنى في كل هذا، وقد أصبح يميل إلى العزلة، ويزهد فيما كان يصبو إليه من قبل.

3.    التزود بالعمل الصالح واستدراك ما مضى:

أما الأستاذ صلاح فقد كان معروفًا عنه ولعه بكل متع الحياة وبهجتها، ولم يكن يرى إلا ضاحكًا مازحًا، وكانت له شقاوات كثيرة يعرفها عنه زملاؤه والمقربين منه، وفجأة بدأ يتغير فأطلق لحيته وأصبح يحرص على الصلاة في أوقاتها وذهب لأداء العمرة في شهر رمضان وعاد وقد بدت عليه آثار الروحانية الصافية الجميلة، وأصبح مشغولًا بالكثير من الأنشطة الخيرية في مسجد الحي وفي العمل وفي بعض الجمعيات الخيرية، وظهرت على وجهه علامات الرضى والسكينة والإيمان.

4.    العمل المستمر ومسابقة الزمن:

أما الأستاذ جميل وهو صحفي معروف فقد لوحظ عليه انكبابه الشديد على العمل في الشهور الأخيرة بلا مبرر واضح، فهو يقضي النهار كله وجزء كبير من الليل في مقر الصحيفة، وأصدر أكثر من كتاب في هذه الفترة القصيرة، ولديه العديد من مشروعات التطوير الصحفية، وهو يتحدث بسرعة كأنه في عجلة من أمره وكأنه يسابق الزمن، وما أن أكمل عامه الأول بعد هذا التغير حتى أصيب بحالة من الاكتئاب تبعها ذبحة في القلب.

كانت هذه صور مختلفة لأزمة منتصف العمر عند الرجل، وكيف يتعامل معها بأشكال مختلفة تتناسب مع طبيعة شخصيته والظروف المحيطة به.

وأزمة منتصف العمر ليست في حد ذاتها مرضًا، ولكن مضاعفاتها يمكن أن تكون مرضًا كالقلق والاكتئاب والأعرض النفسجسمية.

وهذه الأزمة تحدث تقريبًا بين الأربعين والخمسين من العمر، وقد تحدث قبل ذلك أو بعد ذلك في بعض الرجال، فوقتها ليس محدد تمامًا

معالم أزمة منتصف العمر:

1.    وقفة مع النفس وجرد الماضي والحاضر والمستقبل:

 وفي هذه الأزمة يقف الرجل ويجري عملية محاسبة لنفسه عن ماضيه وحاضره ومستقبله، وقد تبدو له سنوات عمره الماضية وكأنها كابوس ثقيل، فهو غير راض عما تحقق فيها، ويشعر أنه فشل فشلًا ذريعًا في تحقيق أحلامه على كل المستويات وأنه كان يجري وراء سراب، وبحسابات الحاضر هو أيضًا خاسر، لأنه ضيع عمره هباءًا ولم يعد يملك شيئًا ذا قيمة فقد أنهكت قواه وذهب شبابه وضحى بفرص كثيرة من أجل استقرار أسرته، ومع هذا لا يقدر أحد تضحياته، ولذلك يشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميه.

حتى المبادئ والقيم التي عاش يعلي من قيمتها أصبحت تبدو الآن شيئًا باهتًا، فلم يعد يرى لها نفس القيمة، ولم يعد متحمسًا لشيء ولا مهتمًا بأي شيء ذي قيمة في المستقبل فقد خارت قواه وانطفأ حماسه واكتشف أن الناس لا يستحقون التضحية من أجلهم، وأن المبادئ التي عاش لها لم يعد لها قيمة في هذه الحياة، وأن رفاق الطريق قد تغيروا وأصبحوا يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم بأي شكل وتخلوا عن كل مبادئهم وشعاراتهم التي رفعوها إبان فترة شبابهم، ولم يعد يخفف عنه آلام هذه المشاعر غير الوقوف بخشوع في الصلاة وقراءة القرآن.

2.    الاهتمام بنفسه وتجديد شبابه (التصابي):

أحيانًا يشعر الرجل أنه يريد أن يبدأ صفحة جديدة من حياته، ولكن ذلك يستلزم الابتعاد عن الزوجة والأولاد والتحرر من قيودهم، وبالفعل بدأ يتغيب كثيرًا عن المنزل ويرتبط بمجموعة من الأصدقاء الجدد الأصغر سنًا فتحوا أمامه أبوابًا متعددة للمتعة وقضاء الأوقات، وقد أحس معهم (ومعهن) أن شبابه قد عاد، وبدأ يهتم بنفسه، ويبالغ في ذلك الاهتمام حتى اتهمته زوجته في يوم من الأيام بأنه متصابي، نعم هو يشعر أنه يعود مراهقًا من جديد، ويفرح أحيانًا بهذا الشعور، وأصبح يتمنى أشياءًا لا تناسب سنه، إنه يشعر أنه ظمآن وضعيف أمام أي قطرة ماء تلوح له في الأفق خاصة وأن الساقي الأصلي  (الزوجة)  أصبحت تضن عليه بقطرة الود والحنان.

3.    الإقبال على الله والزهد في الحياة:

وفي لحظات أخرى يميل إلى الزهد في الحياة فيقبل على الصلاة والصيام وقراءة القرآن؛ فيستعيد صفاءه وتوازنه من جديد ويرضى بما قسمه الله له، ويعترف بأنه فقد أشياء كثيرة كرجل شاب ولكنه اكتسب أشياء أخرى كأب وكقيادي في عمله.

4.    التفكير في الزواج من فتاة صغيرة:

ثم تدور الأيام دورتها ويفكر مرة أخرى في اللحاق بالفرص الأخيرة للحياة قبل أن يغادره شبابه وتألقه ووسامته ويلقي في غياهب النسيان والإهمال، فيفكر في الزواج من فتاة صغيرة تعيد إليه شبابه ويبدأ معها حياة جديدة، ولكنه يعود فيتذكر أبناءه وبناته وما ينتظرهم من معاناة حين تتهدم الأسرة بسببه.

هذه هي بعض معالم أزمة منتصف العمر التي يمر بها كثير من الرجال.

وبعض الرجال يتقبل الأمر بسهولة، وتمر هذه المرحلة بلا مشاكل خاصة في الرجال الناضجين، حيث يدرك أنه ربما يكون قد خسر بعض شبابه، ولكنه كسب مساحات كبيرة كأب حنون وموظف ناجح أو رائد في مجال عمله واهتمامه.

 وللحديث بقية..  

تاريخ الاضافة: 05/09/2013
طباعة