موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || إزدراء الإديان في الميزان ( 1 )
اسم المقالة : إزدراء الإديان في الميزان ( 1 )
كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر

الحمد لله الذي تفرد بعز كبريائه عن إدراك البصائر،وتقدس بوصف علاه عن الأشباه والنظائر،

وتوحد بكمال جبروته فلا العقل في تعظيمه حائر، وتفرد في ملكوته فهو الواحد القاهر،

الأول قبل كل أول والأخر بعد كل أخر،الظاهر بما أبدع فدليل وجوده ظاهر،

سبحانه الذي يعلم البواطن فلا يخفى عليه ما هجس في الضمائر.

شرع لنا الدين وبينه وأظهر لنا الشرع وحدده، فهو أعز من قال: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) آل عمران: 19

وأشهد إن لا اله إلا الله،وحده لا شريك له، له الملك,وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وجعلها وسيلة يوم لقاءه.

أما بعد

لاحظنا توجها عاماً من قبل أجهزة الدولة المصرية في الآونة الأخيرة، وخصوصا عقب الفيلم المسيء للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم ، وقيام صاحب قناة فضائية

بحرق نسخة من الإنجيل، للتوسع في مفهوم المادة 98 من قانون العقوبات التي تعاقب على تهمة ازدراء الأديان بل ومن العجب أن نجد من بعض المؤسسات الدينية من ينادي الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتطبيق هذا القانون، وهذه التهمة من التهم التي ليس لها ضابط ولا رابط ولا مفهوم ولا مضمون ، كما أنها ليست بواضحة المعالم أوظاهرة البنود والتعاريف، بل أصبحت سيفا على رقبة الكل سواء من المخالفين أو المحاورين، دون تفريق بين الذي يظهر الحق ويبين للناس السبيل بين الضلال المبين والطريق القويم. وبين المجرمين الذي لا هم لهم في الليل ولا في النهار إلا القدح في الإسلام وأهله . وحتى نفهم معنى هذا الاتهام يجب التوضيح فيه والبيان، حتى نكون على علم بما يراد به والهدف من تطبيقه.

معنى ازدراء الأديان:

الإزدراء لغة:

ازدراء: مصدر ازدرى ، ويقال : ازْدَرِ، ازدراءً، فهو مُزْدرٍ، والمفعول مُزْدرًى.

وازدرى خصمَه: حقَّره واستخفَّ به. ويقال: ازدرته عيني: احتقرَته . والازدراء أقسى أنواع التأنيب،(مثل): ترى الرجل النحيف فتزدريه. ويقال: ازدراه : احتقره، وعابه.

اصطلاحاً: هو كل فعل أو قول يظهر فيه التحقير أو الاستخفاف بعقائد الآخرين مما ينتج عنه ضرر بين وتسفيه واضح لما يدينون.

الأديان لغة:

أديان جمع دين (والدّين) الطاعة. وتقول (دانَ) له يدينُ (ديناً) أي أطاعه ومنه (الدين) ويُقال (دانَ) بكذا (ديانةً) فهو (دَيِّنٌ) و(تَدَيَّن) به فهو (مُتَدَيِّنٌ) و(دَيّنه تدييناً) وكّله إلى دينه".

اصطلاحاً:

الدين ما دان به العبد ربه سواء كان من شريعة الله سبحانه وتعالى أم من شرائع البشر، وهناك الدين الشرعي وهو السماوي، والدين الغير شرعي الذي من شرائع البشر وهو الأرضي، الذي لم يرد في كتاب من كتب الله ولا على لسان من رسل الله.وقد ذكر القرآن الكريم لفظة "دين" قرابة الثمانين مرة سواء لوصف "يوم الدين" أو للتحدّث عن الدين: دين الله، دين الحق، الدين كلّه، وهكذا. ولم ترد لفظة "أديان" "بالجمع" ولا مرّةً واحدة في القرآن الكريم.

حكم لفظة أديان:

اختلف أهل العلم في هذه الكلمة على قولين:

القول الأول: يجوز النطق بها بشرط أن نلحق بها السماوية، مع بيان أن كل الأديان منسوخة بالإسلام.

القول الثاني: عدم جواز النطق بها لأنها لم تذكر في كتاب الله عز وجل، وأن الدين عند الله واحد وهو الإسلام أما باقي مانزل من قبله كانت شرائع، ونسخت بالإسلام. وهذا هو الراجح عندى، إن شاء الله.

قانون من وحي الشيطان:

إن هذا القانون من وحي الشيطان، وحق يراد به باطل، بسبب ما فيه من عوار، وعدم تعريف واضح له، بل مأخوذ على الشمول، فهو بهذا الوضع يصبح تكميم لأفواه أهل الحق عن بيان الحق، وحماية أهل الباطل، وعدم توضيح ما هم عليه من باطل. كما أنه من الظلم البين والمساواة بين أهل الإيمان وأهل الكفر، فإذا أراد عالم أو داعية أن ينقذ الأباطيل التي في كتب أهل الكتاب، وبين مواضع التحريف والتبديل الذي بينها الله عز وجل في كتابه، فلن يستطيع لأن تهمة ازدراء الأديان سوف تلاحقه من أهل الكفر، فيتراجع عن إظهار الحق مخافة العقوبة ، وحينئذ يصمت عن بيان الكفر والضلال، وتنقلب الأحوال ويظن الناس أن هؤلاء على حق وأن ما يدينون به فعلا من السماء وأن الله عز وجل شرعه للناس، ونعوذ بالله من ذلك، ومن الكفر والخذلان.

قانون يصد عن دين الله:

نعم قانون يصد عن دين الله عز وجل، وتهمة من أكبر العوامل وأكثرها تأثيرا على الدعوة إلى الله وعلى الدعاة الذين يتكلمون بكلام الله من كتابه، عن أهل الكتاب وما فعلوا من محرمات وتبديل لشرع الله. فلا يستطيع أهل الحق أهل الإسلام حينئذ أن يصرحوا بما قاله الله عز وجل عن كفر الكافرين وتحريفهم لكتبه المنزلة ومحاربتهم وقتلهم لأنبيائه المرسلين. فينتفش ويكبر الكفر وأهله،ويضعف ويصغر الحق وأهله.

قانون يحمي معتقدات اليهود:

فلو قال قائل ما ورد في القرآن الكريم عن اليهود عليهم لعنة الله ، لتعرض لتهمة ازدراء الأديان غير التهمة الجاهزة أصلا والتي أقرها الغرب الكافر وهي تهمة معاداة السامية.

وبهذا يفرضون علينا أن نكتم الحق ولا نصرح بنصوص القرآن الكريم في شأن هؤلاء المجرمين المغضوب عليهم فنكتم ما أنزل الله من البينات والذكر الحكيم. وقد قال ربنا الجليل عنهم في كتابه الكريم .

فقال تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون)البقرة:79

وقال تعالى: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) النساء: 46

وقال تعالى: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل و أرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا و فريقا يقتلون) المائدة:70

وقال تعالى: عنهم يفضحهم بما قالوا (وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا) المائدة: 64

والآيات كثيرة عنهم وما أكثر ما حكى القرآن الكريم عن كفرهم وما فعلوا مع أنبياء الله وما فعله الله فيهم، والمقام يطيل في ذلك .

قانون يحمي معتقدات النصارى:

بهذا القانون لا يستطيع عالم أو شيخ أو داعية من المسلمين أن ينقض عقائد النصارى الباطلة التي قامت على التثليث والصلب والفداء وسب رب الأرض والسماء وإلحاق الولد والزوجة به سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.واتخاذ عيسى عليه السلام إلها يُعبد من دون الله. فيموت الحق وأهله ويندثر، ويبقى الباطل وأهله ويعلو. وتُمحى آيات النصارى من العقول والوجدان لعدم التحدث بها.وتتعطل المباهلة التي صُرح بها في كتاب ربنا عز وجل.

قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )آل عمران:64.

فهل بعد ذلك نستطيع أن نورد آيات النصارى في القرآن الكريم ونقول:

قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة: 17

وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)المائدة :72.

وقال تعالى:(لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة :73

وقال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة :31 .

أو نقول قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) صحيح مسلم

وللحديث بقية

إن شاء رب البرية
تاريخ الاضافة: 11/10/2012
طباعة