موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || جمال عبد الناصر والإسلام
اسم المقالة : جمال عبد الناصر والإسلام
كاتب المقالة : عبد المنعم منيب

هل كان جمال عبد الناصر متدينا أم علمانيا؟؟

و إذا كان متدينا فلماذا حارب الإخوان المسلمين و قتلهم و سجنهم عبر محاكم عسكرية قاسية و ضيق على العديد من الدعاة الإسلاميين و لماذا ألغى المحاكم الشرعية؟؟

و إذا كان علمانيا فلماذا سجن و عذب الشيوعيين و الليبراليين و لماذا قام بدعم أنشطة إسلامية من قبيل تأسيس إذاعة القرآن الكريم و إنشاء جامعة الأزهر و دعم دور الأزهر الخارجي بل و لماذا استخدم الإسلام كثيرا في خطابه السياسي؟؟

وإذا كان لنا أن نناقش موقف جمال عبدالناصر من الإسلام فلابد أن نتعرض لموقفه إزاء عدد من المؤسسات و القضايا.

وأول هذه المؤسسات هي جماعة الإخوان المسلمين الذين وثق جمال عبد الناصر علاقاته و تحالفاته معهم عشية الثورة ثم سرعان ما دخل معهم في صراع على الحكم و النفوذ, و بدأ هذا الصراع في الظهور عندما طلب الإخوان المسلمون من جمال عبدالناصر تطبيق استحقاقات هذا التحالف و المتمثلة في تطبيق الشريعة و إقامة الحكم الإسلامي, و رفض جمال عبدالناصر و تنكر لأي إتفاقات مع الإخوان تلزمه بذلك, و بدلا من ذلك طلب منهم أن يرشحوا له اثنين ليشاركو في الوزارة واحد للتعليم و آخر للأوقاف, لكن الإخوان قرروا عدم التعاون مطلقا مع عبدالناصر, كما قرروا مقاطعته من منطلق أنهم يرون أنه خانهم بإعتبار أنه تنكر لهم, و عندما خالف أحد قادة الجماعة قرار الجماعة في هذا المجال و هو الشيخ الباقوري ووافق على تولي وزارة الأوقاف قامت الجماعة بفصله من عضويتها.

و منذ ذلك الحين اشتعل الصراع بين الإخوان و عبدالناصر.

لكن على ماذا كان الصراع؟؟

من جانب عبدالناصر كان الصراع مع الإخوان المسلمين جزءا من صراع واسع على السلطة خاضه جمال عبدالناصر على عدة أصعدة مع حلفاء و زملاء الأمس مثل الشيوعيين و عدد من قادة تنظيم الضباط الأحرار مثل محمد نجيب و خالد محي الدين و يوسف صديق و عبدالمنعم عبدالرؤف و غيرهم من قادة الجيش وتنظيم الضباط الأحرار, و في هذا الإطار أحبط العديد من محاولات الإنقلاب التي قام بها ضباط في الجيش يميلون للإخوان أو الشيوعيين أو الليبرالية, و في هذا الإطار أيضا جاء صراع عبدالناصر مع الإخوان كي يستحوذ على السلطة وحده على النحو الذي آل إليه الأمر فيما بعد عندما أمكنه التخلص من أخر زملائه الأقوياء و هو عبدالحكيم عامر غداة هزيمة 1967م بعد أن كان قد تخلص من الإخوان و الشيوعيين و الليبرالين و سائر قادة الضباط الأحرار.

و هكذا كان عبدالناصر واضحا في أهدافه كما حدد وسائله بدقة و دون تردد.

أما الأخوان المسلمون فقد ترددوا ما بين داعيين للرضى بما يعرضه عليهم عبدالناصر و الإستمرار في التحالف معه, و ما بين معارضين له داعيين لمقاطعته و ممارسة النضال ضده حتى إسقاطه.

و هؤلاء المعارضون لعبدالناصر من الإخوان المسلمين انقسموا أيضا إلى قسمين قسم رأى أنه يمكن معارضته و إسقاطه عبر العمل السياسي السلمي كالإضرابات و المظاهرات و نحو ذلك, بينما رأى القسم الثاني أن الأفضل هو عمل إنقلاب عسكري على عبدالناصر.

كما رأى فريق أخر من الإخوان المسلمين أن على الإخوان ترك العمل السياسي إلى حين بما في ذلك عدم اتخاذ أي مواقف مؤيدة أو معارضة تجاه جمال عبدالناصر, و ذلك بهدف التفرغ لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين و ترتيب أوضاعها الداخلية التي كانت تعصف بها الخلافات و التناحرات لاسيما و أن عبدالناصر قد بدأ يؤجج هذه الصراعات الداخلية و يشجع فريق على حساب أخر.

و على كل حال فقد أدى تردد الإخوان و اختلافهم حول ماهية و طبيعة علاقتهم بكل من جمال عبدالناصر و الثورة, و حول الوسائل و الأساليب الواجب اتباعها في إدارة هذه العلاقة إلى ضعف و تفكك أصابا أجهزة جماعة الإخوان المسلمين مما مكن عبدالناصر من هزيمة تنظيم الإخوان المسلمين الضخم و تفكيكه ووضعه في السجن عام 1954م, و ذلك لأن جمال عبدالناصر حدد ما يريده بدقة و حزم, و نفذه عبر أجهزة الدولة السياسية و الإعلامية و الأمنية التي أجاد السيطرة عليها و تطويرها لا سيما و أنه حرص على أن يحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية بجانب منصبه الأساسي كرئيس وزراء في بداية سنوات حكم الثورة, بجانب سيطرته على الجيش و المخابرات عبر صديقه الحميم في ذلك الحين عبدالحكيم عامر.

لكن هل وجه جمال عبد الناصر ضربته للأجهزة السياسية و الأمنية للإخوان المسلمين فقط وترك الأجهزة الإعلامية و الدعوية؟؟!

في الواقع فإن جمال عبدالناصر قد وجه للإخوان ضربة شاملة ساحقة و قاسية شملت حتى الذين لم يكونوا يميلون لخوض أي مواجهة سياسية أو عسكرية مع جمال عبدالناصر و الثورة, بل إن الذين كانوا على صلة بعبدالناصر و استغلهم لتأجيج الصراع داخل أجهزة وتنظيمات الإخوان المسلمين قبيل هذه الضربة لم يسمح لهم جمال عبدالناصر بعد الضربة بأي نشاط دعوي اللهم إلا دور الشيخ الباقوري الذي كان في إطار الحكم الناصري و لصالحه.

أما الأزهر الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر و العالم الإسلامي فقد كان لجمال عبدالناصر معه شأن أخر ممكن أن نعتبره إستمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت و حتى الآن و هو نهج الإحتواء و السيطرة تحت ستار التطوير و التجديد, و في هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي و من بعده خلفائه مع الأزهر الشريف و ذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محددا دور الأزهر: "أول شئ أطلبه أنا و حكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر و الشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد و شغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شئ.إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه. و أطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب و أن تحثوا إخوانكم العلماء و كذلك الطلبة على ذلك.و من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد و الأخذ و الرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر" (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الإنتماء للأزهر)

فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي, كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام و علماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.

ولم يشذ جمال عبد الناصرعن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر و توظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو1952م.

و نجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في "ارشاد المواطنين إلى حقيقة و أهداف الثورة" و "تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية و كافة دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا".

و قد دعى جمال عبد الناصر في اطار ذلك إلى "عمل لجان في كل بلد اسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية و ذلك في إطار مواجهة إسرائيل و الإستعمار العالمي الذي يقف خلفها".

ولكن كيف وظف جمال عبدالناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟؟

تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي كما كانت هناك اجراءات صحبت ذلك كله و أخرى تتابعت في السنوات التالية أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي, حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه, و لذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه و بتطبيق هذه القوانين إنخفضت طباعة