موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || سوريا.. أخطر من حرب أهلية
اسم المقالة : سوريا.. أخطر من حرب أهلية
كاتب المقالة : عبد الباري عطوان

الجميع يفتي ويدلي بدلوه في سوريا، وكل طرف يفسر الصراع وفقًا لمنظوره الخاص، ويصدر تنبؤاته وفتاواه حسب تمنياته، ولا نقول مصالحه فقط، والشعب السوري هو الخاسر الأكبر وسط هذه المعمعة، حيث تتواصل أعمال القتل والخطف في معظم أنحاء البلاد ويسقط القتلى بالعشرات.

إيرفيه لادسو رئيس عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة أفتى بأن ما يجري حاليًا في سوريا من صدامات بين القوات الحكومية والجيش السوري الحر هو حرب أهلية، وقال: إن الحكومة السورية فقدت مساحات واسعة من أراضيها لصالح المعارضة وتحاول استعادتها.

ومن المفارقة - وما أكثر المفارقات على الساحة السورية هذه الأيام - التقاء الحكومة والمعارضة على رفض هذه الفتوى حيث رفضها الطرفان، وأكدا أن ما يجري في البلاد ليس حربًا أهلية، فإذا كانت الأمم المتحدة على خطأ فما هو الصحيح إذن؟

وزارة الخارجية السورية على لسان متحدث باسمها قالت: إن وصف المسؤول الأممي "لا ينسجم مع الواقع ويتناقض مع توجهات الشعب السوري؛ لأن ما يجري هو حرب ضد مجموعات مسلحة اختارت الإرهاب طريقًا للوصول إلى أهدافها، وإن من واجب السلطات التصدي لها وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها".

الهيئة العامة للثورة السورية رفضت بدورها فتوى الأمم المتحدة، وقالت في بيان أصدرته أمس: "إن ما قاله مسؤول عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة لا يعبر عن صورة الأحداث الجارية، ولا يعبر عن الشعب السوري وثورته السلمية"، وانتقدت الهيئة التصريح الأممي، معتبرة أنه "مساواة بين الضحية والجلاد، وتجاهل لمجازر النظام الأسدي وطمس لمطالب الشعب السوري المشروعة بالحرية والكرامة".

أنا شخصيًّا أختلف مع الحكومة والمعارضة والأمم المتحدة معًا، وأرى أن وصف الصراع بأنه حرب أهلية هو وصف قديم انتهى عمره الافتراضي منذ أشهر، وأن ما يجري في سوريا ليس تطهيرًا طائفيًّا فقط، وإنما حرب إقليمية بالوكالة بين معسكرين:

الأول: المعسكر الروسي ويضم إيران وسوريا و"حزب الله" وبعض الميليشيات الشيعية العراقية، ويحظى بدعم مباشر من الصين، وغير مباشر من الهند والبرازيل.

الثاني: المعسكر الأمريكي ويضم دول أوروبا الغربية وتركيا، إلى جانب المملكة العربية السعودية ودول الخليج، إلى جانب دعم غير مباشر من الأردن.

جامعة الدول العربية وبدعم من دول عربية خليجية، وبعض أطراف المعارضة السورية كانت تضغط دائمًا باتجاه تدويل الأزمة السورية، وتدخل عسكري مباشر لإنهائها، على غرار ما حدث في ليبيا، ويبدو أن هذه الضغوط بدأت تعطي ثمارها هذه الأيام، فقد باتت سوريا محور صراع حقيقي للدول الكبرى، وخرجت الأمور من دائرة سيطرة كلٍّ من المعارضة والحكومة، بل والجامعة العربية أيضًا.

بالأمس اتهمت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية روسيا بتزويد النظام السوري بطائرات عمودية هجومية، ستستخدم في قمع الشعب السوري، فردَّ عليها نظيرها الروسي سيرجي لافروف من طهران قائلاً: إن صفقات الأسلحة هذه تتم في إطار القوانين الدولية، وردَّ الصاع صاعين باتهام الولايات المتحدة بتسليح دول في المنطقة.

صحيفة "الإندبندنت" البريطانية المستقلة نشرت أمس تقريرًا مطولاً أكدت فيه قيام المملكة العربية السعودية ودولة قطر بإرسال شحنات أسلحة ثقيلة للجيش السوري الحر، تتضمن صواريخ مضادة للدروع ومدافع رشاشة وذخائر عبر الأراضي والمنافذ الحدودية التركية، وعلى ظهر شاحنات عسكرية رسمية وبتنسيق مع حكومة السيد رجب طيب أردوغان.

في ظل هذه الحرب الباردة التي بدأت تدخل مرحلة السخونة تدريجيًّا، بات في حكم المؤكد "نفوق" مبادرة كوفي عنان المبعوث الدولي، التي تتحدث نقاطها الست عن وقف فوري لإطلاق النار وسحب الآليات من المدن، والانخراط في حوار بين النظام والمعارضة، للتوصل إلى مخرج سلمي للأزمة. فالمبادرة لم توقف أعمال القتل التي يرتكبها النظام، بل أدت إلى حدوث مجزرتين هزتا ضمير العالم، الأولى في الحولة، والثانية في القبير، وكان معظم ضحاياهما من الأطفال، ذُبحوا بطريقة وحشية همجية على أيدي ميليشيات تابعة للنظام.

ويمكن القول أيضًا: إن الحل اليمني لم يعد ممكنًا في سوريا؛ لأن النظام فيما يبدو بات مصممًا، وبعد التصعيد الأخير للهجمات من جانبه على المضي في حلوله الأمنية الدموية حتى آخر الشوط، وأيًّا كانت النتائج.

الحوار بين المعارضة والنظام تجاوزته الأحداث، ولم يعد مفيدًا بعد أن أفلتت الأمور من الجانبين تقريبًا. الحوار المثمر والفاعل بات عمليًّا بين القوى العظمى والإقليمية المتورطة في الحرب الحالية، وبالأحرى بين الولايات المتحدة زعيمة تكتل أصدقاء سوريا من ناحية، والاتحاد الروسي الداعم الأساسي للنظام السوري من ناحية أخرى.

الجامعة العربية باتت خارج المعادلة كليًّا، ولم يعد في مقدرتها تنفيذ أي قرار يتخذه وزراء خارجيتها، بما في ذلك منع الفضائيات السورية من البث عبر أقمارها الصناعية. أما المعارضة السورية الخارجية التي اعتقدت أنها باتت على بُعد بضعة أمتار من كرسي الحكم قبل بضعة أشهر فإنها فقدت الكثير من وهجها لمصلحة المقاتلين على الأرض، في صمود نادر ومثير للإعجاب.

وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني كان مصيبًا مرتين؛ الأولى عندما قال بالأمس: إن سوريا باتت على شفا الانهيار، والثانية عندما طار فجر اليوم إلى موسكو لإجراء محادثات مع نظيره الروسي لافروف صاحب الكلمة الأقوى في الملف السوري.

"إسرائيل" تراقب الصراع في سوريا عن قرب، وباتت قيادتها تشعر بالقلق، ليس فقط من مخزون الأسلحة الكيماوية السوري الأضخم في المنطقة، والذي من المحتمل أن يقع في يد جماعات إسلامية متشددة، وإنما أيضًا من وصول هذه الجماعات إلى عمقها عبر الحدود السورية إذا ما تحولت سوريا إلى دولة فاشلة، على غرار العراق وليبيا وقبلهما أفغانستان.

أيًّا كانت النتيجة التي ستنتهي إليها الأوضاع في سوريا، فإن "إسرائيل" ستكون الخاسر الأكبر، وكذلك الدول التي لم يصل إليها الربيع العربي بعد.

المصدر: القدس العربي

تاريخ الاضافة: 10/07/2012
طباعة