موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || الجزائر: رئيس الحكومة سابقا ''النظام لن يتغيّر إلا بضغط شعبي قوي''
اسم الخبر : الجزائر: رئيس الحكومة سابقا ''النظام لن يتغيّر إلا بضغط شعبي قوي''


ثلاثة أسباب خارجية وثلاثة أخرى داخلية حالت دون مواكبة الربيع العربي
 

يملك أحمد بن بيتور رئيس الحكومة سابقا قناعة راسخة بأن التغيير لن يأتي من النظام ولا من الأحزاب. ويرى، في مقابلة مع ''الخبر'' بمكتبه، أن النظام لن يتغير إلا بتلاقي ثلاثة عوامل، أولها ضغط شعبي قوي. ويعطي أيضا رأيه في مجريات انتخابات 10 ماي 2012.

لم نسمع لك رأيا في تشريعيات ماي الماضي؟
الأصل من وجود المجلس الشعبي الوطني، مثل أية هيئة تشريعية أخرى، هو تمثيل الشعب ليمارس السلطة التشريعية. وفي انتخابات 10 ماي 2012، جندت السلطات كل الوسائل لضمان تمثيل واسع في الغرفة الجديدة. اختارت الخميس ليكون يوم الانتخاب وقررت أن يكون يوم عطلة مدفوعة الأجر، ومددت بذلك نهاية العطلة الأسبوعية، والهدف كان استقطاب أكبر عدد من الناخبين. ولكن بأي ثمن تم ذلك بالنسبة للدولة والعمال ؟
لقد أطالوا في عمر الحملة الانتخابية لتشجيع المواطنين على الانتخاب، عن طريق وسائل الإعلام الثقيلة المملوكة للدولة. واستمرت الحملة إلى غاية فتح مكاتب الانتخاب. وهو ما يتعارض بوضوح مع القانون العضوي للانتخابات الذي تقول المادة 188 منه، إن الحملة الانتخابية تنتهي قبل ثلاثة أيام من تاريخ الانتخابات.
لقد سجلنا تدخلا هاما لرئيس الدولة خلال الحملة الانتخابية، إذ ذهب إلى حد تشبيه الانتخابات بحدث أول نوفمبر. كل هذا من أجل أية نتيجة ؟ السلطات قالت إن نسبة المشاركة تمثل تقدما كبيرا مقارنة بانتخابات 2007 التي بلغت نسبة المشاركة فيها 65 بالمائة. وفي 2002 بلغت 46 بالمائة. وفي 2007 لم تبلغ 37 بالمائة. وبلغت 12,43 بالمائة في .2012 الأرقام تقول، إذن، إن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة أضعف من النسبة المسجلة قبل 15 سنة، وكان ينبغي التذكير بذلك حتى لا ينسى أحد. فهل كان من الضروري تجنيد كل إمكانيات الجمهورية من أجل نتيجة بهذا الهزال؟ إنه ضعف فعالية صارخ. رئيس الدولة رمى بثقله في هذه الانتخابات، وهو الحاصل على 80 بالمائة من الأصوات في انتخابات 2009، وفي النهاية لم يحقق لانتخابات 2012 إلا بعض النقاط قياسا إلى .2007 ومن بين الأسباب التي سيقت للتأكيد على أهمية الانتخابات الأخيرة، تتعلق بتعديل الدستور الذي لا يمكن أن يكون عن طريق البرلمان فقط ودون الاستفتاء، إلا في الحالات الاستثنائية. وعندما أعلنت السلطة بأن تعديل الدستور سيتم عبر البرلمان، فهي تضع نفسها في تناقض صارخ مع الدستور. فإما أن تبادر إلى تعديل في الدستور خارج أرمادة نصوص الإصلاحات، أو تقترح تعديلا يحدد التغيير. وفي هذه الحالة لا يمكن تمريره عن طريق البرلمان.
نتائج انتخابات البرلمان الجزائرية كسّرت الربيع العربي. إلى أي حد صحيح ذلك؟
الجزائر لم تواكب نموذج الربيع العربي حاليا فقط، ولكن ذلك لا يعني أنها لن تعرف أبدا المسار الذي مرت به بعض البلدان. وإذا طرحنا السؤال: لماذا الربيع العربي لم يحلّ بالجزائر؟
هناك أسباب داخلية وأخرى خارجية حالت دون ذلك ظرفيا وليس نهائيا. الخارجية تتمثل في الأهمية الإستراتيجية التي تكتسيها المحروقات بالنسبة للقوى الغربية الكبيرة. وفي الأخطاء التي ارتكبتها هذه القوى في ليبيا. وفي الأهمية الجيو إستراتيجية للجزائر بالمنطقة والتأثير الذي يمكن أن تخلفه عليها في حال دخولها في اضطرابات. هذه العوامل مجتمعة أبعدت الضغط الخارجي في اتجاه إحداث التغيير.
أما الأسباب الداخلية، فتتعلق أولا بضعف التجنيد السياسي للمواطنين حول مشروع التغيير. ثانيا النظام استطاع أن يبيع 13 مشروع إصلاحات صورية، رضي بها بعض الأشخاص. ثالثا يتوفر لدى النظام الريع الذي يتيح له شراء مصفقين ومتزلفين. لكن من الخطأ الاعتقاد بأن النظام يستطيع بهذا الريع شراء السلم الاجتماعي، بدليل الاحتجاجات المستمرة في كل مناطق البلاد. في المقابل، استطاع بفضل الريع توسيع دائرة المصفقين والمطبلين. وتلاحظون بأن النظام استثمر بكثافة في الجانب الأمني، في الشرطة والدرك، والهدف هو مراقبة الحركات الاجتماعية دون اللجوء إلى العنف. ثم هناك أيضا إفرازات العشرية السوداء التي أضعها في مؤخرة الأسباب.
تبعا لهذا الطرح، هل ترى أن التغيير عن طريق الصندوق لم يعد ممكنا؟
قلت من قبل إن التغيير لن يأتي من داخل النظام ولا من برامجه ولا من الأحزاب أو من الانتخابات والاستفتاءات. التغيير يكون عندما تلتقي ثلاث حالات: أولا ضغط قوي ومتزايد من الشعب. ثانيا تحالف وطني بين القوى التي تطالب بالتغيير. وثالثا وقوع حدث مفجّر كالذي عرفته تونس في حادثة البوعزيزي. وفي الجزائر كانت هناك فرصة في بداية 2011، ولكن غياب تحالف لقوى التغيير حال دون بلورة هذه الفرصة.
الكثيرون توقعوا أن ينشئ أحمد بن بيتور حزبا في إطار اعتماد عشرات الأحزاب الجديدة. لكنه لم يفعل. لماذا؟
قلت لك إن التغيير لن يأتي عن طريق الأحزاب ولا عن طريق الانفتاح من داخل النظام. هذه المعاينة تنطلق من تحليل علمي، ومن المقارنة بين تجارب وقعت في بلدان أخرى، وقد أوصلتني إلى قناعة راسخة بأن التغيير لا يمكن أن يأتي من أي شيء يمت بصلة للنظام. فهم (النافذون في السلطة) عندما يمنحونك ترخيصا لتأسيس حزب، قد أعدوا كل الشروط للسيطرة على هذا الحزب. كيف تتصور أن السلطة منعت إنشاء أحزاب منذ أكثـر من 10 سنوات، ثم في بضعة أسابيع تسمح بتأسيس عشرات الأحزاب ؟! وكيف تتصور أنه بإمكان أحزاب عمرها بضعة أسابيع أن تتحصل على نتائج إيجابية في الانتخابات ؟!
المؤمنون بأفكارك قد يقولون إن النشاط انطلاقا من منبر أفضل من السباحة في الافتراض..
لا يمكن أن تحصل على نتائج جديدة باعتماد طرق قديمة. إذا أردت الحصول على الجديد ينبغي اعتماد طرق مبنية على الابتكار. ابتكار فيما يخص تنظيم العمل السياسي ووسائل التجنيد، مع الرهان على قوى جديدة، وهو ما أشتغل عليه في الوقت الراهن.

تاريخ الاضافة: 31/05/2012
طباعة