موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ( 1 )
اسم المقالة : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ( 1 )
كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر

الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبابرة ، و كسر به ظهور الأكاسرة ، و قصر به آمال القياصرة ، الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة ، حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة ،فنقلوا من القصور إلى القبور ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهرام والديدان و من أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ، و من المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل،ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب، فانظر هل وجدوا من الموت حصنا و عزا ، و اتخذوا من دونه حجابا و سترا، و انظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا، فسبحان من انفرد بالقهر و الاستيلاء ، و استأثر باستحقاق البقاء ، جعل الموت مخلصا للأتقياء ، و موعدا في حقهم للقاء و جعل القبر سجنا للأشقياء ، و حبسا ضيقا عليهم إلى يوم الفصل و القضاء ، فله الإنعام بالنعم المتظاهرة ، و له الانتقام بالنقم القاهرة، و له الشكر في السموات و الأرض، و له الحمد في الأولى والآخرة، و الصلاة و السلام على الرسول المرتضى و النبي المجتبى ، و على آله و صحبه و التابعين

أما بعـــــــــد

إنَّ الموت حق وكأس كل الناس منه شاربون سواء كانوا مؤمنين أو كافرين وهو سنة رب العالمين لعباده أجمعين ليسربلهم سرابيل الذل والانكسار، وإنهم إليه راجعون

قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران: 185

وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) النساء: 18

وقال تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء: 78

وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) الأنعام: 61

وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء: 35

وقال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ق: 19 

ويقول الشاعر:

لا شيء مما ترى تبقى بشاشته            يبقى الإله ويودي المال والولد

لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه          والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياح له         والإنس والجن فيما بينعا تردُ

أين الملوك التي كانت لعزته              من كل أوب إليها وافد يفدُ؟

حوض هنالك مورود بلا كذا           لابد من ورده يوماً كما وردوا

فعجبا لمن الموت مصرعه، و التراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، و بطن الأرض مستقره، و القيامة موعده، والجنة أو النار مورده، ألا يعمل لهذا اليوم وتلك اللحظات، ويسكب الحسرات، على ما قدمت يداه، وما اقترف من الذنوب والمعاصي وقد أورد نفسه المهالك، ولسان حاله

كما قال ربنا الجليل عن هؤلاء المجرمين (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون . لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) المؤمنون: 99ـ100

ولكن شتان شتان بين موت الكافر المشرك الذي صد عن سبيل الله وعبد غيره، وبين موت المسلم المؤمن الموحد الذي أخلص لله وأفرد له العبودية وكفر بالانداد ولم يتخذ مع الله إلهاً أو شريكاً في الملك ولم يجعل له صاحبة ولا ولداً ، وهيهات هيهات بين أهل الكفران والنيران وأهل الرحمن والرضوان لا يستويان في الدنيا ولا في الآخرة.

قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، وهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ،ثمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) الأنعام:60 ـ 62

 

الفتنة عند الموت:

قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن الشيطان يأتي أحدكم قبل موته، فيقول له: مت يهوديا مت نصرانيا) رواه الترمذي والنسائي.

ولما حضرت الوفاة أبو جعفر القرطبي قال له رواده: قل لا إله إلا الله، فقال: لا، قيل له: قل

لا إله إلا الله، قال: لا، فلما أفاق وعرف بالذي كان يقوله، قال: لست إياكم أعني، أتاني شيطان عن يميني يقول لي: مت يهوديا فإنه خير الأديان فكنت أقول له: لا، ثم أتاني آخر عن شمالي يقول لي: مت نصرانيا فإنه خير الأديان فكنت أقول له: لا.

مشيناها خطا كتبت علينا                           ومن كتبت عليه خطا مشاها

و من كانت منيته بأرض                          فليس يموت في أرض سواها  

أحوال أهل الكتاب عند الموت:

قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)النساء: 159

قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة ليس أحد من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) إلا ويؤمن بعيسى عليه السلام إذا عاين الملك،ولكنه إيمان لا ينفع; لأنه إيمان عند اليأس وحين التلبس بحالة الموت; فاليهودي يقر في ذلك الوقت بأن عيسى عليه السلام رسول الله، والنصراني يقر بذلك أيضاً.

 وروي أن الحجاج سأل شهر بن حوشب عن هذه الآية فقال : إني لأوتى بالأسير من اليهود والنصارى فآمر بضرب عنقه، وأنظر إليه في ذلك الوقت فلا أرى منه الإيمان ; فقال له شهر بن حوشب: إنه حين عاين أمر الآخرة يقر بأن عيسى عبد الله ورسوله فيؤمن به ولا ينفعه ; فقال له الحجاج : من أين أخذت هذا ؟ قال : أخذته من محمد ابن الحنفية; فقال له الحجاج : أخذت من عين صافية. وقد ورد في بعض الأثر ما من أحد من النصارى عند موته إلا جاءه عيسى عليه السلام وقال له إني بريء منك.

موت الكافر راحة للبلاد والعباد

ما من عبد كافرأوفاجر إلا ترتاح منه البلاد والعباد والشجر والدواب

فعن معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة بن ربعي أنه : كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال:( مستريح ومستراح منه قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه فقال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) رواه مسلم. ك: الجنائز

 وللحديث بقية

إن شاء رب البرية

تاريخ الاضافة: 28/04/2012
طباعة