موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || هل يعرف الرئيس القادم ما هو مُقبِل عليه؟
اسم المقالة : هل يعرف الرئيس القادم ما هو مُقبِل عليه؟
كاتب المقالة : المصدر الدستور

الرئيس السابق تنحَّى - على حد قوله - بسبب «الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد»، وستتسلمها حضرتك بكل الحب، وأنا هنا لا أعني أنك ستتسلم البلاد لكنك ستتسلم الظروف العصيبة".

لقد غيَّرت الثورة جينات الشعب وأصبح عليك أن تتفهم طبيعة الشعب الجديدة بعد أن ذاب بعضه في بعض وأصبح كتلة واحدة عبر 18 يومًا في الميدان. لقد استيقظ المارد وكسر كل التابوهات التي عاش سجينًا فيها على مدى ثلاثين عامًا، وبعد أن كان يمشي إلى جوار الحيطة بقلب مرتعش أصبح الآن يمشي على الحبل بقلب ميت.

بقدومك سيكون سلاح التظاهرات قد أصبح موضة قديمة، فهناك سلاح جديد اخترعه المصريون اسمه «سلاح التجريس»، سيتم تجريس حضرتك ما لم تَسِر على العجين دون أن تتلفه، والتجريس أصبح متاحًا للجميع بعد أن أصبح كل جهاز كمبيوتر في البلد عبارة عن وحدة مونتاج وورشة «فوتوشوب»، سيعِدُّون لك كليبات ساخرة وبوسترات ستسري سريان النار في الهشيم تقارن بين حالك وأقوالك قبل الرئاسة وتسخر من تصريحات أو أفعال لا يرضى عنها الشعب، ستتحول بمرور الوقت إلى فقرة كوميدية إذا أسأت استخدام منصبك أو فشلت في إدارة البلاد كما ينبغي، لن يشكوك أحد إلى الأمم المتحدة مثلاً ولكن سيشكوك البعض إلى رسام الكاريكاتير البرازيلي كارلوس لاتوف حتى تصبح فضيحة حضرتك بجلاجل.

الجميع تعلموا أن يقفوا للمسؤول على الواحدة، وسيلتزم الجميع (الليبراليون قبل الإسلاميين) بتطبيق مبدأ مساءلتك إذا عَثُرَت دابة في الطريق، ولن يلتفت أحد إلى البرلمان أو الأحزاب أو الشرطة، ستكون وحدك في مواجهة الشعب، فقد سقطت إلى الأبد نظرية «الريس ماكانش يعرف».

اعمل حسابك أن الشعب لن يقبل مجددًا موضوع التشريفة ولن يقضي ولو خمس دقائق في الشارع انتظارًا لمرور موكب حضرتك أو موكب أحد رجالك، وإذا لم تلتزم بالإشارة والظروف المرورية التي نلتزم بها جميعًا فسنعتصم جميعًا أمام إدارة المرور بالدرَّاسة وسنطالب برحيلك من هناك حتى يصبح رحيلك نكتة دولية، وبالمناسبة كل من هم حولك أهداف سهلة للشعب يمكن إصابتك من خلالهم.. لقد كان درس «الرجال المحيطين بالرئيس» موجعًا، فعليك أن تدقِّق عند اختيارك من يحيط بك تدقيق المجني عليه أثناء عرض المتهمين في النيابة، وإذا نشرت لك الصحف يومًا صورة وإلى جوارك ابنك أو ابن أختك أو ابن خالتك فستكون الطامة الكبرى.. يُستحسن أن تعلن في أول خطاب لك أنك مقطوع من شجرة.

لن تستطيع أن تصبغ شعرك أو أن تضع عدسات لاصقة أو أن يبدو وجهك في لقطة مقربة بلا تجاعيد، وسندقق النظر إلى البدل التي سترتديها ورابطات عنقك وتيكت قمصانك، وحَذارِ من أن ترتدي ملابس مستوردة، ويفضل أن تخبر الشعب باسم الترزي الذي ستتعامل معه حتى تغلق الباب في وجه من سيتهمونك بأن ملابسك منحة من بلاد الكَفَرة. لن نقبل أن يمر عام دون أن تصاب بوعكة صحية فقد أصبحت لدينا حساسية من رجال الدولة الذين يعبرون السبعين وهم في صحة سيد معوض، بينما أبناء الشعب العاديون يسير كل منهم في الشارع وهو يحمل ملف الأشعة والتحاليل بينما لم يتجاوز الخامسة والثلاثين.

لن تستطيع أن تذهب إلى شرم الشيخ كثيرًا وإلا أصبحت في نظرنا محسوبًا على النظام القديم، وسيصعب عليك أن تصلِّي العيد في مسجد القوات المسلحة وإلا شككنا في وجود صفقة سياسية بينك وبين المجلس العسكري، ولن نقبل أبدًا أن تكون الفترة الزمنية بين الإعلان عن خطاب لك وظهور الخطاب أكثر من ساعة، ولن نقبل تأخيرًا في الإعلان عن موقفك من أي حدث ما في أقل من ساعتين، وإياك من الاقتراب من المنتخب الوطني، وإياك وزيارة معسكراتهم التدريبية أو إرسال برقيات تهنئة بمناسبة فوزهم بأي بطولة إلا لو كانت بطولة كأس العالم على أقصى تقدير، واحذر استخفاف الدم والإفيهات القديمة أو السخرية التي تهين أو توجع القلب حتى لا تنقلب عليك خفة الدم كما انقلبت على الرئيس السابق.

في كل الأحوال سيكون عليك أن تتقي شر فكرة «التجاهل» في كل ما يحدث من حولك، لن تستطيع أن تتجاهل "كليب" على «يوتيوب» يكشف مشكلة في قسم شرطة أو مستشفى حكومي أو تحقيقًا صحافيًّا يكشف فساد مسؤول أو حتى كيس قمامة ملقَى خارج الصندوق قد تمر به في طريقك إلى أي مكان، لن تستطيع أن «تعمل نفسك من بنها»، أشدِّد على فكرة أن الشعب لن يسمح لك بتجاهل صغائر الأمور، لدى شعبنا خبرة سيئة في موضوع التجاهل ويشعر بحساسية مبالغة تجاهها، وإن كنا نضرب كفًّا بكف دهشة منها فيما قبل، ستجد كثيرين يرونها إهانة ربما تستحق أن يكون ضرب الكف بكف على مقربة من بيتك.

عليك أن تكون فى غاية اليقظة حتى تستطيع أن تنام يومًا.

لن يغفر لك الناس أن يخبئ عنك رجالك مصيبة ما، أو أن يزينوا لك الواقع، وسيبدأ منحنى حضورك في الهبوط في اليوم الذي سنجد فيه في إحدى الصحف استغاثة موجهة إلى رئيس الجمهورية الأب ذي القلب الرحيم، فاستغاثة من هذا النوع لا يقدر عليها إلا الأثرياء ستثير الغضب وستعيدنا إلى نقطة الصفر، ومهمتك أن تكون ناجحًا للدرجة التي تقي شر فضيحة مثل هذه في الصفحات الأولى، قد يرضى منك الناس باعتراف بالتقصير ويمنحونك مهلة لعلاجه، قد يستجيبون لك إذا طلبت بنفسك مساعدة منهم في علاج ما يشكون منه، لكنهم لن يقبلوا التجاهل بأي وضع، وكما تعرف فإن الملايين التي كانت في التحرير أخدت تليفونات بعضها وعلى استعداد لأن يدعم بعضها بعضًا في أي وقت.. الأمر كله متوقف على رنة.

منافقو الصحف والإعلام مسؤولية حضرتك وأنت المسؤول عن دفع فاتورتهم، سيدفع المنافقون جزءًا من الفاتورة بأن يفقدوا شعبيتهم بالتدريج، لكن حضرتك ستكون متهمًا بعودة النفاق إلى كل ما كان عليه أيام النظام السابق، ويا ويلك يا سواد ليل حضرتك مثلاً إذا خرجت الصحف القومية يومًا ما وفي صفحتها الأولى تهنئة للشعب بمناسبة عيد ميلاد السيد الرئيس مع صورة لك ومقال لرئيس التحرير موقَّع باسمه بأكبر بنط في المطبعة يدعو لك أن تستقبل عامك الجديد بالرخاء والنعيم نفسه الذي يعيش فيه شعبك، لأنه يومها سيحتفل الشعب بعيد ميلادك على طريقته حيث سيشعل الشماريخ في صينية ميدان التحرير وسيغني لك أمام كاميرات العالم «كان يوم أسود يوم ما جيت».

لذلك أقترح عليك يا سيادة الرئيس أن تغلق هذا الباب في أول خطاب لك بأن تقول للعالم كله: إنك «ساقط قيد».

تاريخ الاضافة: 20/04/2012
طباعة